ثقافةصحيفة البعث

ضياء الحموي لا حدود للوحة.. للأزرق.. للموسيقى

يرى الفنان السوري ضياء الحموي أن فن الرسم يعاش ويمارس ولا يحكى عنه، وإنه يقدم نفسه بنفسه، فينجذب إليه من ينجذب وينصرف عنه من ينصرف، والقصد هنا أن الرسم للتعبير عما لا تطاله الكلمات، فكيف نسمح لأنفسنا بالكلام عنه وهو يحمل كل مورثات الفنان وخبراته الشائكة، بهذا التعبير يتصف الحموي بأنه فنان الارتجالات اللانهائية من موسيقى وصور وتأليفات لونية غير محدودة بمسلمات مسبقة يحددها العقل وما هو متفق عليه من قبل الآخرين، فلا حقيقة مطلقة، فلكل حقيقته، وعدد حقائق الدنيا أضعاف عدد البشر، ولا توجد حقيقة أفضل من الأخرى، وإننا جميعا بجمالياتنا وبشاعتنا وحروبنا وحضاراتنا نعيش على ذرة غبار في مجرات هذا الكون اللا متناهي.
بهذا الفيض الصوفي الذي جربه الفنان وخبر تأملاته يرسم ممتدا من ينابيع بلاده العميقة إلى لون شقائق النعمان وإلى طائر السنونو المبشر برشاقة الهواء في أطراف لوحة لا تنتهي إلا في حدود القماش، تمتد إلى حدود ما تصل إليه العاطفة وقوس الكمان وحدود الحيز القسري الذي لا يسمح لتلك الأنفاس بالتصاعد انسجاما مع هذا الكون السماوي الذي يعلو فوق حبال غسيل الأدب والكلام.. حقا إنها لغة الصورة الخلاقة والبعيدة عن المباشرة والتوصيف الفج.. هي روح الموسيقى وروح المكان وشكل الظل ملونا ومقدسا.
ربما قد يكون الخط عنصرا في تجربة هذا الفنان حسب ما ورد في دليل المعرض الذي قدم له الفنان غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية الذي تعرض في صالته أعمال الفنان الحموي: “حوار ضياء وبحثه كان دائما بين الخط المكتوب – ليس بمعناه الكاليغرافي– بكثافته وبساطته وصخبه وبين المساحة واللون بما يمثلانه من فضاء حر. بحث أنتج تعايشا ونغما تشكيليا له إيقاعه الموسيقي باستمرار, هذا الهاجس الغنائي الذي يسكن الحموي دفعه للبعد عن التشكيل التقليدي.. الخط ببساطة ضمن فضاء فرح بسيط مع تراكم شفافيات لونية مكنت من الخروج عن أدبية الخط التي أفقدته قيمته، ليجعل منه رمزا غرافيكيا متحركا، يحمل الحياة وينتقل من منتهى البساطة إلى منتهى الصخب الخطي واللوني من دون ضجيج أو ادعاء.. فهو انتقال مدروس ومشغول بعفوية الحب ورهافة الحس”.
ويعترف صاحب التجربة بفضل أصحاب التجارب الحروفية العربية مثل الفنان العراقي ضياء العزاوي واللبناني حسين ماضي في اكتشافاتهم اللونية، وبتأثير الموسيقى الشرقية ودورها في ضبط إيقاع اللوحة ونغمتها اللونية- ولنا في هذا الأمر قول– وفيما يخص بناء اللوحة المعماري يستند إلى منظومتين حسب ما عرض في بيانه أن هناك منظومتين الأولى هي عالمية وشائعة تعتمد على إغلاق العمل، فلو حذفنا جزءا ولو بسيطا منه فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار العمل كاملا، أما المنظومة الثانية وهي منظومة شرقية وروحية صوفية..!؟ هذه المنظومة تعتمد على فتح العمل وليس إغلاقه وهي قابلة للتمدد إلى مالا نهاية والتقلص إلى حدود غاية في الصغر، دون أن يؤدي إلى انهيار بنائية العمل.. وأضاف على المؤثر التراثي البصري المجسد في لباس الفلاحات في الريف السوري وتطريزاته الملونة وإلى الكم الهائل من تجربته في رسوم الأطفال.
معرض جدير بالاهتمام والمتابعة وجدير بالمراجعة أيضا، ويعتبر من المعارض المتميزة والهامة التي تشهدها العاصمة في هذا الموسم، كما يضاف إلى أهميته أن صاحب هذه الأعمال يقيم في أوروبا ويعمل هناك وتعرض أعماله في دمشق وتحضر شخصيته العامرة بالحب والوفاء والوعي المختلف.

أكسم طلاع