لابد من البحث عن محاصيل بديلة التغير المناخي.. أزمة مائية متفاقمة وتهديد مباشر للخطط الزراعية
قلب الانحباس الحراري، والتغير المناخي، وقلة الموارد المائية طاولة الخطط الزراعية، وهمّش ما كان رئيسياً في الوقت الذي كان إنتاجنا الكبير من هذه المحاصيل يشكل قلقاً للمعنيين لجهة تصريفه حيناً، وتصنيعه حيناً آخر، كما كان يحدث للشوندر السكري والقطن، وجعل المهمّش محط اهتمام، وبعيداً عن الظروف التي تجري في البلد منذ سبع سنوات، شكّل النقص المطري السنوي سبباً رئيسياً، بل وجوهرياً لخروج هذه المحاصيل الهامة من الخارطة الزراعية السنوية، ليس في مجال محافظة حماة فحسب، وإنما في مختلف المحافظات.
إذاً حيال هذا التغير المناخي القاسي، والذي تشير الدراسات المناخية بأنه سيستمر على ما هو عليه الآن حتى عام 2025، فلا بد من البحث عن محاصيل بديلة أخرى تحافظ على استقرار اليد العاملة في القطاع الزراعي من جهة، وأن تكون لهذه المحاصيل البديلة تسعيرة محفزة وثابتة من جهة ثانية، وفقاً لما قاله مدير عام الهيئة العامة لتطوير سهل الغاب المهندس غازي العزي.
لكن بالمقابل يقول المزارعون: ماذا لو غامرنا، وزرعنا محاصيل عطرية، وفاض إنتاجها عن حاجة السوق المحلية مثل اليانسون والشمرة وحبة البركة، وغيرهما من البقوليات الأخرى، ولعل ما حصل لمحصولي البطاطا والثوم هذا العام خير دليل على صحة ذلك.
أسئلة كثيرة كانت محط اهتمام وتقصٍ، استمر لأسابيع في سهل الغاب وريف حماة الشمالي والغربي الزراعي، ولعل السؤال الأهم في هذا المجال كان: ما هي المحاصيل التي قد تكون بديلة للمحاصيل الاستراتيجية التي خرجت لظروف قاهرة من حسابات الخطة الزراعية، وهل توجد لها قنوات تصريف مع أسعار مجزية ومحفزة، وهل يمكن التكيف مع الواقع البيئي الصعب لجهة شح الأمطار وضيق المساحات الزراعية؟.
للتكيف مع الوضع الراهن
دق مسؤولون بيئيون ورسميون ناقوس الخطر لجهة انحباس الأمطار والتغير المناخي الحاصل الذي يشكل حالة من القلق للحكومات العربية والشرق الأوسطية، وسورية واحدة منها، فهذا مؤشر مفزع لما يتعلق بالقطاعين الزراعي والصناعي الذي يعتمد الإنتاج الزراعي كمادة أولية اقتصادياً.
حيال هذا الواقع يقول مدير عام هيئة تطوير سهل الغاب المهندس غازي العزي: كان سهل الغاب بمساحته الإجمالية 140 ألفاً و799 هكتاراً، منها 79220 هكتاراً مروياً الهاطل من شبكات الري، حيث كانت هذه المياه تصل إلى 250 مليون متر مكعباً، وكانت متاحة بكل يسر وسهولة، ما كان يجعل سهل الغاب على مدار السنة واحة خضراء، وإذ بنا اليوم نقف عاجزين وحائرين، كيف نؤمّن الـ30 مليون متر مكعب من المياه هذه الأيام لرية واحدة إسعافية لمحصول القمح، وكيف سيكون الحال إذا ما احتجنا لعدة ريات؟.
ولذلك لابد من التكيف مع هذا الواقع الصعب زراعياً، فالعام المنصرم كان أفضل من هذا العام مائياً وإنتاجياً.
وأضاف العزي: هنا يتجلى دور المعنيين بالشأن الزراعي المتمثل بالتكيف مع هذا الواقع من خلال البحث عن محاصيل بديلة، أقل حاجة للمياه كاليانسون والكزبرة والشمرة والبقوليات، لكن بشرط أيضاً إيجاد أسواق لتصريف الانتاج كي لا تغرق أسواقنا المحلية منه ما يؤدي إلى انخفاض سعر المادة.
خيارات صعبة
مدير موارد حماة المهندس فادي عباس، قال: كل الأراضي الواقعة على طول مجرى نهر العاصي من منبعه حتى مصبه، أمست بوضع صعب، وأما الخيارات الأصعب لجهة الزراعات، فقد اختلف اليوم عن الأمس، فالمخازين المائية في السدود غير كافية للحجوم الميتة، فمن العبث هدر المياه في ظروف الشح والقلة في ظل الظروف المناخية القاسية.
المهندس سمير ملحم، مدير التخطيط والإحصاء في زراعة الغاب، قال: لا أحد يستطيع أن ينكر بأن المحاصيل التي كنا نعتبرها استراتيجية مازالت قائمة، ولا يجوز في الوقت ذاته أن تبقى أراضينا بلا زراعات، فالقطاع الزراعي عصب الاقتصاد، وسورية تكنى بذلك، مضيفاً: قد يتعذر تطبيق الخطة والدورة الزراعية نظراً لقلة المياه.
وأضاف بأن أمامنا العديد من الخيارات الزراعية، ولكن يجب أن تكون بشروط، فمحصول الفول والحمص يزرعان بكثرة في مجال محافظة حماة، والمطلوب إقامة معامل كونسروة، أو تعاقد المعامل الموجودة أينما كانت مع المزارعين لاستلام هذا الإنتاج.
معمل البصل أعاد المحصول
خطوة أولى على الطريق الصحيح، تلك التي بدأها معمل البصل بالسلمية بتسليمه حوالي 28 طناً من القزح بموجب عقود مع المزارعين لاستلامه أثناء تسويق الإنتاج رغم قلته، وقناعة إدارة شركة معمل البصل بعدم جدوى الإنتاج لقلته هذا العام، وعدم قدرته على تشغيل المعمل، ولكن لقناعته بأن العام القادم سيكون أفضل، والعقود أكبر، وفقاً لما قالته لنا السيدة ايناس قشمر، المديرة الإدارية في المعمل، وأضافت بأن الشركة ستعود العام القادم مجدداً للإنتاج، ما يشجع زراعة البصل الأبيض، وهذا ما كان طالب به عدد من المزارعين الذين التقيناهم في ريف مصياف والغاب ومحردة أثناء انعقاد مؤتمراتهم الفلاحية مؤخراً.
زراعات أخرى
بهجت حمدان، مزارع وعضو مجلس محافظة، قال: لابد من البحث عن زراعات أخرى بدلاً من القطن والشوندر مادام انحباس المطر قائماً، ومياه الري غير متوافرة وفقاً لحاجة محاصيل القمح والشوندر والقطن، وهذا ليس في مجال محافظة حماة فحسب، وإنما في مختلف المحافظات، فلكل محافظة خصوصيتها الزراعية، لكن قلة الأمطار والجفاف واحدة، مشيراً إلى أن ارتفاع تكاليف الإنتاج واليد العاملة أربك حسابات المزارعين، ومع هذا لاتزال أسواقنا، والحمد لله، تغرق بالإنتاج، ولكن إلى متى يمكن أن يتحمّل الفلاحون ذلك، هذا هو السؤال؟!.
المزارع فراس منصور من منطقة الغاب قال: يلاحظ خلال السنوات الخمس الماضية غياب أنظمة الري الحديثة الفعالة، حيث تعطل مشروع الري الحديث جراء ما لحق بالبلد من أعمال إرهابية، وتخريب كل ما كان موجوداً في هذا الصدد، هذا الوضع جعل العديد من المساحات الخصبة بوراً بلا زراعة، مع الإشارة إلى أن هناك رغبة كبيرة لدى المزارعين بزراعة محاصيل كان يعتبرها المعنيون هامشية مثل: اليانسون، وحبة البركة، والشمرة، رغم أنها تشكّل دخلاً مهماً، ولا تحتاج الكثير من المياه والتكاليف الزائدة.
غياب المياه
مما تقدم وما سمعناه من المزارعين والمعنيين حول تأثير غياب المياه الكافية لإرواء المحاصيل الشرهة للمياه، والتي خرجت من خططنا الزراعية كالشوندر والقطن نظراً للظروف المناخية، فإننا نرى أهمية الحاجة إلى منهج أكثر استدامة لاستغلال الأراضي المحدودة، وموارد المياه الشحيحة، على أن يجمع هذا المنهج بين إصلاح السياسات، وأفضل الممارسات الزراعية، والتكيف مع الواقع القائم، وهنا تتجلى بشكل واضح أهمية تقديم الدعم والإعانات، وجعل العاملين في هذا القطاع، أي الزراعي، محور استراتيجيات النمو الاجتماعي والاقتصادي الأوسع، باعتبار تغير المناخ يتطلب دعماً عينياً أو مادياً.
أما إن بقينا نردد المعزوفة نفسها، أي أن القطن والشوندر والشعير محاصيل استراتيجية دون سواها، وهي لم تعد تزرع بالشكل الكافي، فهذا سيؤدي إلى خلل في الخطة الزراعية، ولنا في تجارب العامين المنصرمين لجهة محاصيل الشوندر، والثوم، والبطاطا، فتم تقديم المحصول الأول علفاً لعدة سنوات للثروة الحيوانية، أما المحصولان الآخران فتم رميهما في مكبات القمامة في مجال محافظة حماة.
محمد فرحة