سقوط ورقة “الكيماوي”
ما جرى في مجلس الأمن، واستخدام حق النقض الفيتو من قبل روسيا، وتعطيل واشنطن وأدواتها مشروعي القرارين الروسيين، يوضّح المشهد السوري على حقيقته، ويؤكّد بأن الصراع بين قوى تحاول جاهدة الإبقاء على هيمنتها في التحكم بالقرار العالمي، وأخرى تعمل على إعادة التوازن إليه وإنهاء الأحادية القطبية ورفع الظلم عن الشعوب المستهدفة، وتبيّن للقاصي والداني أن مرتزقة القتل الجوال لم يكونوا أكثر من أداة لتنفيذ أجندات ثلاثي الاستعمار القديم، مضافاً إليه كيان الاحتلال، والذي تبين أيضاً أنه الطرف المدبّر والمحرّك للغرب في التصعيد الأخير لجهة توجيه ضربة عسكرية إلى سورية وإعادة الأمور إلى المربع الأول وخلط الأوراق من جديد عبر التدخل العسكري المباشر في محاولة لتعديل كفة الميدان من جهة، والهروب إلى الأمام من أزمات داخلية تعصف بتلك الدول من جهة ثانية.
لذلك أخرجت ورقة الكيماوي من جديد والتي من خلالها وعبرها برّروا كل تدخلاتهم، مرّة لعرقلة تقدم الجيش السوري في حربه على الإرهاب، وأخرى كوسيلة للابتزاز السياسي.. صعّد ترامب التهديد والوعيد حتى تجاوز كل الخطوط الحمراء، وهرول خلفه ماكرون وماي ونتنياهو، وتكفّل النظام السعودي بدفع تكاليف الحرب، ليعودوا بنا في الذاكرة إلى عام 1956 إبّان العدوان الثلاثي على مصر، ومن ذات القوى، مع متغيّر وحيد هو الأشخاص، ولأن التاريخ لا يعيد نفسه، وإن حدث ففي المرة الثانية تكون ملهاة مضحكة، وهكذا بدا الرئيس الأمريكي. فأي رئيس هذا الذي يطلق تصريحات تهدد بوضع العالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة من خلال تغريدة على تويتر فهو إما مجنون وإما أحمق لا يفقه في السياسة الخارجية شيئاً، وإن نجح بعقليته التجارية وعنجهيته الوقحة من إفراغ خزائن آل سعود فإن تلك المنهجية لن تؤتي ثمارها مع سورية وروسيا وبقية الحلفاء فهؤلاء يدافعون عن قضايا محقة ومصيرية، وليسوا وكلاء على مال لا يملكون منه سوى ما يصرف على قصورهم وملذاتهم.
ولأن في الإدارة الأمريكية من لا يزال يدرك مآلات حماقات ترامب، فقد تتالت التصريحات التي توحي مرة بأن الحرب آتية لا محالة وثانية بين وبين، وثالثة لابتزاز روسيا، فوزير الدفاع قال: “إنه وضع على طاولة رئيسه قائمة بنك الأهداف الذي يمكن استهدافها في سورية”، فيما المتحدثة باسم البيت الأبيض أكدت أن ترامب لم يتخذ قراراً نهائياً بشأن الضربة، ما يعني أن الزخم الذي بدأته واشنطن في مجلس الأمن وتبعه الرئيس الأمريكي بتغريداته الصميدعية بدأ بالتلاشي والاضمحلال قبل بدء العدوان. أما وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو فهو “لن يسمح بمواصلة الصعود الروسي”، لكن كيف وبأي طريقة؟!. فهل بضعة صواريخ تطلق من بوارج في البحر كالتي استهدفوا بها مطار الشعيرات العام الماضي ودمّر معظمها قبل بلوغ الهدف قادرة على تغيير المعادلة واستعادة أمريكا لمجدها المفقود؟. ولن ندخل في ما يحدث في الداخل الفرنسي والبريطاني فهم ليس أفضل حالاً من الشريك الأكبر. ما يعني أن الرصاصة الأولى بردت قبل أن تصل الهدف، وهؤلاء بالنتيجة لا يريدون المجازفة بما تبقى من هيبتهم، فمن يعلن الحرب لن يكون بمقدوره تحديد موعد إنهائها ولا طبيعة الرد عليها ولا يمكنه بأي حال التكهن بنتائجها، ولابد أنهم الآن يفكرون في طريقة تخرجهم من عنق الزجاجة بما يحفظ ماء الوجه قبل الدخول في نفق مظلم.
يمكن القول: إن ورقة الكيماوي سقطت ولن يجري استخدامها مرة أخرى، وإن الضجيج المفتعل ليس أكثر من دعاية أرادوا من خلالها نفخ العضلات وإعطاء جرعة إنعاش للتنظيمات التكفيرية، وسواء وجهوا ضربة أم تراجعوا عنها فهم في كلا الحالين خاسرون، فالخيار الأول سينهي عنترياتهم وتدخلاتهم السافرة، والثاني يضعهم في حجمهم الحقيقي خاصة في ضوء الانتصارات الاستراتيجية التي يحققها الجيش السوري على الإرهاب في كل جبهات القتال.
عماد سالم