فضاء المعلومات بين روسيا والغرب
بات فضاء المعلومات المجال الرئيسي للمواجهة بين روسيا والغرب، والهدف من هذه المواجهة هو كسب تأييد الرأي العام، وهنا ليس من المهم أن تكون على حق فحسب، بل أن تكون مقنعاً أيضاً. فعندما قُسم العالم أثناء الحرب الباردة إلى معسكرين متعارضين انتهجت القوتان العظميان سياسة تسلح وضعتهما على شفا الكارثة، لكن الوضع الحالي أكثر تعقيداً، فساحة المواجهة في مجالات المعلوماتية والاقتصاد والسياسية مشتركة الآن، والتشابك أصبح كبيراً، إذ لم يعد النزاع بين القوتين العظميين وحدهما، فقد أصبح هناك عدد أكبر من اللاعبين الرئيسيين في العمليات الدولية حتى باتت اللعبة أقرب إلى مباراة كرة القدم تتأجج فيها مشاعر المتابعين أثناء لعب الفريقين .
ويبقى من الصعب ترشيد المواجهة الحالية، حيث لا يوجد فهم لطابع التغييرات، ويكفي أن نذكر ظاهرة ترامب وبريكست وما يسمى “الربيع العربي”، لأن المشاركين في المواجهة الحالية لا يؤمنون بإمكانية اندلاع حرب كبيرة تضعهم على شفا كارثة، لأن لكل من هذه القوى تفسيرات مختلفة للمنظور التاريخي، والسبب هو عدم معرفتهم في أي اتجاه يتحرك التاريخ.
ومن يتابع سياق التصعيد الدولي يرى أن روسيا والغرب يتحدثان بلغات مختلفة، ويستخدمان تعاريف مختلفة للمفاهيم ذاتها، وفي مثل هذه الظروف يفشل العمل الدبلوماسي والخبرة السياسية وحتى أجهزة الاستخبارات.
لكن هذا لا يعني أن العالم فقط أسود وأبيض، فقد ظهرت مؤشرات متزايدة لعالم متعدد المراكز ما أضعف نظام التكتل إلى حد كبير. ومؤخراً طردت العديد من دول الاتحاد الأوروبي الدبلوماسيين الروس، لكن المهم هو تحليل أي دول لم تقم بنفس العمل، ولماذا. وليست حكومات الدول الغربية الرائدة فحسب تشارك في هذه المواجهة، بل إن دولاً صغيرة ذات خبرة في الاستفزاز الدولي، ورجال أعمال بارزون ممن تضررت مصالحهم بسبب العمليات السياسية، هم أيضاً لاعبون في اللعبة.
وحتى لو كان حادث سالزبوري استفزازاً من قبل أجهزة سرية، فإن هدفه الأساسي كان التأثير العلني وتحويل الرأي العام ضد روسيا. لكن، ورداً على هذا الاستفزاز، تبنت موسكو سياسة جديدة مرتكزة على “مبدأ لعبة كرة القدم” باللعب مع الكرة، وليس مع اللاعب، وهذا ما فعلته حقيقة إذ اتخذت موقفاً حازماً بشأن حادثة سالزبوري نتج عنه تبادل للاتهامات من جميع الأطراف. لكن من الضروري في هذه الظروف أن تقوم موسكو بحملة علاقات عامة، وأن تتمثل رسائلها الرئيسية بالتعاطف والتضامن والاستنكار بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في أوروبا، لأن روسيا باتت ضحية لهذا الحادث الذي جعلها في موقع الاشتباه. ويمكن لمحادثة هاتفية مع تيريزا ماي ومخاطبة الجمهور البريطاني عبر الصحافة المحلية ووضع زهور مكان الجريمة أن تصبح خطوات عملية للتصدي لهذه الأزمة. ويمكن للتواصل الصحيح أن يحرم خصوم روسيا من الحجج العاطفية، هذا بالإضافة إلى قيام روسيا بالعمل على فكرة إنشاء تحالف عالمي لمكافحة الإرهاب، والبحث عن صفقة كبيرة مع الولايات المتحدة بشأن الأمن الأوروبي والأزمة الأوكرانية.
لكن على ما يبدو فإن العلاقات الدولية لم تعد تعمل بهذه الطريقة، ومن الواضح أن السياسة الحديثة – المحلية منها والدولية – ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بالثقافة الشعبية ووسائل الإعلام. وعلى الرغم من أن المجتمعات الغربية مجتمعات علمانية، إلا أن النقاشات العامة مفعمة باستعارات من الكتب المقدسة التي أصبحت أساساً استعارات لخلق أساطير علمانية.
أخيراً ، لم تعد القوانين الصارمة فعالة، كما تختلف تفسيرات روسيا والدول الغربية لميثاق الأمم المتحدة إلى حد كبير. والواقع، فإن هذه التفسيرات في حالة حرب مع بعضها البعض، ولكن هذا العالم لم يعد رقعة شطرنج حيث يتم تسجيل كافة التحركات وفق قواعد واضحة. إنها “كرة القدم”، حيث يوجد المزيد من الارتجال ومهارات القيادة والعمل الجماعي، ولكن في نفس الوقت، يكون الخطأ من الحكم – الرأي العام – أكثر احتمالاً. في بعض الأحيان لا يلاحظ الحكم أن الفريق المنافس انتهك القواعد. ورغم ذلك، ستواصل موسكو لأن النتيجة النهائية أكثر أهمية. والسؤال هو كيف ينبغي إجراء الاتصالات الإستراتيجية في هذه الحالة؟ أولاً: من الضروري التخلي عن الخصومة كمبدأ رئيسي لأنه يحد من المناورة، وقد كانت له فعالية أكبر عندما كان نظام الكتلة أقوى والحدود العالمية أكثر وضوحاً؛ ثانياً: من الضروري أن لا تعتمد روسيا على النزعة القانونية فحسب، بل على الحس السليم والتعاطف والمشاعر الأخرى من أجل كسب الرأي العام؛ ثالثاً: من الضروري أن تكون مرنه وتتعامل بشكل استباقي.
ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة