إخفـــاق الطاغـــوت.. ومـــأزق الشـــيطان
عبد الرحمن غنيم
كاتب وباحث من فلسطين
هناك مثل شعبي يقول عمّن يحاول أن يفعل المستحيل “بدّو يطلِّع الزير من البير”، ينطبق هذا المثل الآن على محاولة الطاغوت الأميركي وأتباعه من أغراب وأعراب, لطمس الانتصار الذي أنجزه القطر العربي السوري وحلفاؤه على المخطط الشيطاني، ولكنّ الزير المليء بالمكر, والذي أرادوا انتشاله من البئر, لم يكن أكثر من وصمة الخزي والعار التي تلحق بكل من استخدم كل قواه في حربه, ولكنه مُني بالفشل، وهذا الفشل، هو في الواقع فشل مركب. وتتمثل أبعاد هذا الفشل المركب عملياً في الأمور التالية:
الأول: لقد فشلت محاولة الطاغوت وأتباعه في ائتلاف الثمانين وتحالف الستين في تمكين “إسرائيل” من التوسع بين الفرات والنيل، وهو الهدف الأساسي من وراء المخطط الشيطاني بكل تفاصيله.
الثاني: لقد سقط الرهان الأميركي على عصابات الإرهابيين الضالين المفسدين التي جرى تجنيدها وجلبها من أكثر من مائة دولة, لتكون تلك القنطرة التي يجتاز عليها المخطط الشيطاني في طريقه لتحقيق غايته, ولحقت الهزيمة بهذه العصابات, وباتت تصفية بقاياها مسألة وقت بعد أن فقدت كلّ حول وقوة في الصراع، بل وبدأ ومشغلوها في تحويل اتجاهها باتجاه مناطق أخرى بعد أن يئسوا من قدرتها على أخذ سورية.
الثالث: لقد فشل المتواطئون الإقليميون الذين جرى تجنيدهم في خدمة المخطط في تحقيق الأهداف التي منّاها بهم شياطينهم وانقلبوا خاسئين خاسرين, وكانت هزيمتهم في الغوطة بمثابة الضربة الصاعقة التي توجّه إليهم بعد سلسلة الهزائم التي منوا بها في مواقع أخرى بل وفي أقطار أخرى أيضاً، وهنا علينا أن نركز الانتباه بشكل خاص على دور جماعة الإخوان المسلمين وشركائها, وعلى تلك العصابات المرتبطة ببعض دول مجلس التعاون الخليجي، ومخاوف الفاشلين من انعكاس نتائج هذا الفشل عليهم.
لكن أنماط الفشل السابقة لم تكن في الواقع غير جزء من ملامح المشهد، وعلينا أن نكمل قراءة ملامح هذا المشهد من جانب الطرف أو الأطراف التي تصدّت للمخطط الشيطاني، فهذا الجانب يعني أن الأمر لم يتوقف عند إفشال خطط المتآمرين, ولكن أيضاً على حدوث تطورات عمّقت في أزمتهم، وهنا لا بدّ وأن نضع في اعتبارنا الحقائق التالية:
الأولى: الأهمية البالغة التي ترتبت على التعاون القائم بين أطراف محور المقاومة في مواجهة المخطط الشيطاني, حيث أثبت هذا المحور قوته وفعاليته, وبات أكثر قدرة على مواجهة الأعداء.
الثانية: الأهمية البالغة لموقف روسيا ومساهمتها العملية في محاربة العصابات الإرهابية التكفيرية ومواجهة القوى التي تقف وراء هذه العصابات بالنتيجة.
الثالثة: تبلور تحالف دولي قويّ وكبير في مواجهة التحالف الأميركي الذي كان يدّعي بأنه يمثل المجتمع الدولي, ويظن أن لا أحد يستطيع مواجهته, الأمر الذي أدّى إلى تغيّر واضح في الاستقطاب الدولي بين طرفين, وأسقط منطق الانفراد الأميركي بالعبث بمقدرات الشعوب، ما يعني أننا الآن أمام ميزان قوى جديد على الصعيد الدولي كله, وهذا الميزان إنما تبلور من خلال الصراع الذي كانت سورية مسرحه الأساسي، ونقول مسرحه الأساسي لأننا نعرف أن أميركا حاولت أن تجعل من أوكرانيا مسرحاً تشاغلُ به روسيا عن مواجهة المخطط الشيطاني الذي يستهدف سورية.
الرابعة: اختلال القدرة الأمريكية على استغلال مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة في التغطية على اعتداءات أميركا وأتباعها, حيث ووجهت محاولات أميركا في هذا الاتجاه بالفيتو الروسي والصيني المزدوج في أكثر من مرة.
على أن الأمر الأكثر أهمية في حسابات الصراع من كل ما سبق ذكره إنما يتمثل في الحالة التي بات المشروع الصهيوني يواجهها بعد فشل مخططه الشيطاني للتوسع, وهي بالتأكيد حالة لم يحسب لها حساباً عند وضع المخطط الشيطاني والشروع في تنفيذه من قبل القوى التي حشدها لصالح هذه العملية.
لقد افترض المخطط الشيطاني الصهيوني أنه سيكون بوسع الطاغوت الأميركي وأتباعه وأدواته, وضمن برهة زمنية قصيرة, ربما لم تكن تتجاوز في حساباتهم العام 2013, أن يأخذ سورية إلى التفتيت تحت سيطرة العصابات المرتزقة من الإرهابيين, ليتم بعدها الانتقال إلى إيران لاستهدافها بالإرهاب المكثف, كما أنه سيكون بوسع العصابات الإرهابية الضالة في غضون ذلك أن تستهدف بقية أقطار المشرق العربي, وخاصة الأردن ولبنان ومصر بحيث تنهي وجود الأنظمة لحساب الإمارات الإرهابية المتصارعة, وبالطبع سيكون بوسع هذه العصابات بعد تمكينها من المنطقة (باستثناء الكيان الصهيوني) أن تمارس الإرهاب المتفرق ضدّ دول العالم الأخرى بحيث يصير مطلب التخلص منها هو المطلب الذي يركز عليه الإعلام المهيمن عليه صهيونياً وحتى غير المهيمن عليه، وعندئذ سيكون بوسع الكيان الصهيوني المتحكم أصلاً بهذه العصابات من خلال غرف العمليات التي تديرها مثل الموك والموم وغيرها أن ينفذ ما أسماها كيسنجر بـ”البطشة الكبرى” مدّعياً أنه يقوم بتخليص العالم من إرهاب عجز الآخرون جميعاً من قبل في الإجهاز عليه، ويضمن بذلك أن يكتسب للتوسع الصهيوني بين النيل والفرات شرعية دولية باعتبار أن هذا التوسع سيفسّر عندئذ على أن غايته تخليص البشرية كلها من الإرهاب.
إن إخفاق الطاغوت الأميركي وكل الأدوات العاملة تحت هيمنته بما فيها العصابات الإرهابية التكفيرية التي جندها لأداء دورها في هذه الخطة مثلما جند جماعة الإخوان المسلمين في كل أماكن انتشارها, لم يكن مجرد إخفاق في تنفيذ خطة, وإنما اقترن مع تغيّرات جدية في موازين القوى سواءً على الصعيد الإقليمي فيما تسمّى بمنطقة الشرق الأوسط أو على الصعيد العالمي.
وطبيعي أن يكون الكيان الصهيوني هو الأكثر حساسية بسبب هذا الإخفاق، ففشله في استغلال ما اعتقد أنها فرصة دبّر لها ومكر لها مكرها لتمكين إسرائيل من التوسع بين الفرات والنيل, لا يعني فقط تبديد فرصته للتوسع, ولكنه يعني أيضاً وضع مصير كيانه على المحك، فإذا كان وجود محور المقاومة قبل أن يدخل مخططه الشيطاني مرحلة التنفيذ يسبب قلقاً له, فإن ازدياد قوة هذا المحور من خلال مواجهته للمخطط الشيطاني وانتصاره عليه, من شأنه أن يعمق مشكلة الكيان الذاتية، وتواجد روسيا على أرض الصراع, وتعمق العلاقة بينها وبين سورية وإيران من شأنه أن يشكل عامل قوة إضافي.
وإذا كان الكيان الصهيوني قد اعتاد خلال الصراع أن يحاول تجربة قدرته العدوانية في مواجهة سورية بعمليات قرصنة تهدف إلى رفع معنويات الإرهابيين, فإن وصوله في لحظة ما إلى اكتشاف تضاؤل قدرته العدوانية حتى باستخدام أفضل ما لديه من الطائرات, جعله يحسّ بأن الأنشوطة تلتف حول عنقه، ولا نستطيع وصف التجربة الأخيرة التي مارسها الصهيوني باستهداف مطار التيفور من مكان بعيد, غير محاولة من يدرك أن سلاحه الجوّي لم يعد قادراً على اقتحام الفضاء دون أن يتعرّض لإمكانية إسقاط طائراته, كما أن قدرة صواريخه الذكية الأمريكية على قصف الأهداف من بعد باتت محدودة نتيجة تصدي الدفاعات الجوية لها بالصواريخ المضادة للصواريخ.
ولنضف إلى ما سبق أن الصهيوني إنما قام بعدوانه ذاك ليغوي الأمريكي بأن يفعل فعله، ولقد انضم إلى الصهيوني في هذا الإغواء الحاكم السعودي الذي يخشى بدوره من النتائج المترتبة على فشل المخطط الذي اندمج فيه طوال الوقت، وحتى الأمريكي, وقد بدا متردداً بين سحب قواته وفق إعلان ترامب وبين تلبية أهواء الشيطان الصهيوني وشريكه السعودي, لم يذهب الى تدبير عدوانه إلا وقد وضع بريطانيا تحت إبطه الأيمن وفرنسا تحت إبطه الأيسر، ومع ذلك فإن كل المؤشرات تدل على أنه اجتهد في أن يوصل مسبقاً رسائل تقول إنه لا ينوي الذهاب بعيداً, وأنه إنما قال كلمة ولا يريد أن يبدو متراجعاً فيها وعاجزاً.
وحين ننظر إلى حجم الضربة, وإلى أهدافها, وإلى حجم التصدّي لها, وإلى ما ظهر في هذا التصدّي من وجود عوامل قوة إضافية لدى الجيش السوري مثل التحكم باتجاه الصواريخ بالإضافة إلى الصواريخ المضادة للصواريخ, ما جعل معظم الصواريخ تفشل في الوصول إلى أهدافها, لا بدّ وأن نستخلص بأن العدوان فشل في تحقيق أي من أهدافه, حتى وإن كان هذا الهدف هو أن يبرز طغيانه وكبره في الأرض.
وإذا لاحظنا الجهد الذي بذله الأعداء – وبشكل مسبق ولاحق – في الحديث عن عدوان محدود, نستطيع أن نستخلص الاستنتاج القائل بأنهم إنما سلكوا سلوك من هو متردد خشية أمرين: أحدهما أن يصل التصدّي إلى استهداف مصادر العدوان, وثانيهما أن يشمل هذا التصدّي في حالة توسع العدوان الكيان الصهيوني, وهو الذي بدا مرتعشاً مرتعداً أمام مخاطر انفجار حرب واسعة.
إن فشل العدوان أدّى بالمحصلة إلى إحباط إذا كانت نسبته بالنسبة لأميركا وبريطانيا وفرنسا بعد تجربة عناصر القوة التي بها يهددون مائة بالمائة فإنها بالنسبة للصهاينة أكثر من ذلك بكثير, لأن فشل صانعي الكيان الصهيوني وحماته يعني ازدياد مأزق هذا الكيان أو هذا الشيطان, وإحساسه بأن وجوده بات في مأزق، ومما فاقم هذا الإحساس ما بدر عن موسكو من استعداد لتزويد سورية بأسلحة أكثر تطوراً مثل منظومة إس 300 مما يعني أن إخفاق الطاغوت في مغامراته سيؤدي إلى تعميق مأزق الشيطان.