خسائر اقتصادية كبيرة دون مساءلة!
مشاريع اقتصادية عديدة، تعثر وتأخر إنجازها لسنوات في أكثر من محافظة وبما يقارب أضعاف المدة العقدية التي تم التعاقد عليها، ما ترتب على ذلك تكاليف إضافية كبيرة جداً، تحملتها الخزينة العامة، وترتب على ذلك انعكاساً سلبياً على بنود الميزانية العامة للدولة كل عام، وأيضا ترتبت على ذلك نفقات إضافية كبيرة تحمّلها المواطنون وخاصة في المشاريع التي تعنيهم كمشاريع البناء التي تعود لبعض جمعيات الاتحاد العام للتعاون السكني، وكثير من هذه المبالغ قاربت أو فاقت أضعاف الكلفة الحقيقية لبعض المشاريع، عدا عن خسارة العوائد والمنفعة التي كانت ستتحقق لو تم الإنجاز، وفقاً لما هو مخطط له لأول مرة.
والأمثلة على ذلك كثيرة في جميع المحافظات، فالمجمع التجاري المشاد في قلب في مدينة طرطوس دون استكمال منذ سنوات، وبعض جدرانه تتآكل، كما أن محطة الصرف الصحي في مدينة طرطوس لم تنجز رغم البدء بها منذ سنوات، وكذلك الحال لمحطات صرف صحي أخرى عديدة، إذ لا زالت مياه الصرف الصحي تصب في سد الصوراني المنجز لغاية مياه الشرب، وجامعة طرطوس تفتقر لإنجاز أية كتلة بناء من كليات جامعتها حتى الآن، رغم مرور عدة سنوات على إحداثها، وتخصيص الأرض لها، وآلاف المخصصين في عشرات جمعيات الاتحاد التعاوني السكني يشكون من تأخر إنجاز مشاريعهم أو عدم تخصيصهم، رغم مضي عشرات السنين على انتسابهم، فالمخصصين في المشروع الثاني من جمعية الزراعة الاصطيافية يشكون من وطأة تحميلهم مبالغ إضافية لاستكمال مشروعهم المباشر به منذ عشرين عام تقارب مثلي الكلفة المتفق عليها عند التخصص، رغم التزام الكثيرين منهم بتسديد الكلفة العقدية المطلوبة في حينها، ولا قوة شرائية لمدفوعاتهم السابقة، فيما إذا استعادوها انسحاباً أو فصلاً، والحالة نفسها بالنسبة للمشتركين في السكن الشبابي، الذي أسفر تأخر إنجازه عن تحميل المشتركين مبالغ إضافية كبيرة، وكثيرون منهم ليس بمقدورهم ذلك.
هذا التأخر لا يقتصر فقط على إنشاءات المشاريع بل يشمل التأخر في إنجاز الكثير من الدراسات المطروحة دون معالجة، ومنها الدراسة المتعلقة في التخطيط الإقليمي، الذي لم يشهد التنفيذ المطلوب في محافظة طرطوس رغم مضي سنوات على التعاقد بشأنه، والحال نفسها بخصوص تأخر الدراسات المتعلقة في معالجة مناطق المخالفات السكنية، رغم تتالي الدراسات والاقتراحات بخصوص ذلك، والحي الجنوبي في مدينة طرطوس مثالاً صارخاً على ذلك، والأمر نفسه بالنسبة للدراسات المتعلقة بالمناطق السياحية، إذ لا زال سكان مساكن حي الرمل الموازي للواجهة البحرية يشكون منعهم من أي ترميم لها منذ عشرات السنين، دون أي تعويض مقابل حتى الآن، ومثل ذلك العقارات الزراعية المستملكة والمواجهة للشريط البحري، وإن كان البعض يعزو ذلك إلى ظروف الحرب العدائية المستمرة على بلدنا منذ سبع سنوات، عليه أن يعود إلى الوراء ليرى أن مثل هذا التأخير كان قائماً قبل الحرب ولعقود مضت، ومن المؤكد أن بعض التأخر مبرراً ولكن شتان بين التبرير الموضوعي والتمرير الوضعي، بدليل أنه يندر أن تم الإعلان عن نتائج مساءلة المتسببين بالتأخير، وما تم تحميلهم من تبعات.
الملفت للانتباه أن أولي الأمر كثير ما يغفلون عن المساءلة بخصوص هذا التأخير، وكلامهم المعسول جداً في كثير من اللقاءات الجماهيرية والإعلامية، يخلو من التطرق لهكذا معاناة، وحال طرح أحد المهتمين بالشأن العام ذلك شفهياً، يسمع ردود خلبية ووعود ضبابية، وحال تم الطرح بشكل خطي وموثق، فسرعان ما تتعمد بعض الجهات المعنية تقاذف ذلك فيما بينها عبر لجان ومراسلات تنقصها الكثير من الجدية والمتابعة.
مشكورة الحكومة على زيارتها أواخر العام الماضي لمحافظة طرطوس والتي أثمرت عن التوجيه لاستكمال مدخلي مدينة طرطوس الشمالي والجنوبي، والتوجيه لبناء كليتين جامعيتين، والأمل معقود على تكاتف رسمي وشعبي، يسفر عن معالجة جميع المشاريع المعلقة في جميع المحافظات، على غرار التكاتف المفخرة الذي يثمر تتابعياً عن إنجاز النصر الكبير على الإرهاب، الذي تفوق خسائره كل الخسائر الأخرى.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية