هكـــذا يكـــون البطـــل العدوان الثلاثي بين 1956ــ 2018
جمعت السياسة السورية لـ “احتواء الجنون” الناجم عن تأمين العاصمة وتطهير الغوطة الشرقية وتحديداً منطقة “دوما” من الإرهابيين بين الحكمة في توفير مزيد من الدماء والدمار، و بين الشجاعة في دك معاقل الإرهابيين، وحصر مشغليهم أمام خيار وحيد.. حكمة وشجاعة مستمدَتين من ثبات القائد بشار الأسد في مستَعر تاريخي ومفصلي في هذه المنطقة من العالم بل، في تاريخ العالم المعاصر.
هذا الثبات المبدئي، والصمود الهائل الذي أحبط خرائط جيو سياسية يشتغل عليها وحوش العصر من المحافظين الجدد وإرهابيي العصر منذ سنين، هو الذي دفع إلى “العدوان الثلاثي 2018” العلامة التي ستميّز القرن 21 بما سينجم عنه من انتصار، كما ميّز العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 القرن العشرين بما نجم عنه يومها من انتصار للقضية الوطنية، ودعم للمشروع العروبي المقاوم.
هاجم العدوان الثلاثي “بريطانيا- فرنسا- الكيان الصهيوني” مصر عبد الناصر وثورة 23 تموز 1952 ليس بسبب تأمين قناة السويس فقط، بل لأن مصر ساندت ثورة الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، ووقفت ضد الدعم البريطاني الفاضح للمشروع الصهيوني، ودعم بريطانيا وانخراطها في الحلف المعادي، حلف بغداد “تركيا- العراق- بريطانيا- باكستان”، وتابعت مصر توطيد علاقتها مع سورية لمواجهة الصهيونية والرجعية العربية والأحلاف الاستعمارية في المنطقة. عُرِف العدوان باسم آخر هو “حرب السويس”، والسويس تقابل في ذلك العدوان “دوما” في هذا العدوان. في اليوم الثالث للعدوان وفي 3 تشرين الثاني وجّه الاتحاد السوفييتي إنذاراً الى دول العدوان معلناًَ تصميمه على محو العدوان ومهدداً بضرب لندن وباريس بأفتك أنواع السلاح… اندحر العدوان، وفشل المعتدون في إسقاط النظام المصري بقيادة عبد الناصر الذي توّج يومها بطلاً وطنياً وعربياً وعالمياً، وحصدت حركة التحرر الوطني العالمية والعربية نتائج مثمرة وطيبة، وأسهمت نتائج النصر فيه في تحديد مستقبل التوازن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية.
فما الذي سينجم عن انتصار سورية على العدوان الثلاثي على سورية عام 2018، وهل سيعيد التاريخ نفسه؟.
سورية تخوض اليوم معركة عالمية كبرى مركّبة ومتعددة الأطراف، لا شك هي أعقد من حرب 1956، تواجه فيها عدواناً صهيو أطلسياً- رجعياً عربياً، وتطوّراً وحشياً للرأسمالية نحو الامبريالية المتوحشة مصاصة الدماء، وللرجعية العربية نحو الإرهاب والتطرف والتكفير، وانزياحاً للمشروع السعودي من المتاجرة بالوهابية إلى الاستثمار في الولاء للصهيونية. وإنها لمعركة معقّدة وصعبة جداً وهذا واضح في الأرقام “الآخذة بالانحسار” لعديد دول “أصدقاء سورية”، وفي هشاشة أنظمة الدول المجرورة إلى التحالف الصهيو أطلسي- الرجعي العربي.
سورية تواجه مجتمعاً دولياً أغلبه لا يحترم نفسه، تستبدّ به دول كبرى تنتهك القانون الدولي وتمسح الأرض بميثاق الأمم المتحدة، وتكذب في مجلس الأمن لتجعله ملاذاً لأزمة الامبريالية المعاصرة، امبريالية تكرّس سياسة “البقرة الحلوب” تجاه بترو دولار الخليج، كما كذبت أمس في الاعتراف بتدمير عشرات الصواريخ العابرة، لذلك كان وصف مندوب بوليفيا أمس مجلس الأمن بأنه يرزح “تحت سياسة تدابير امبريالية ضد القانون والمجتمع الدوليين، وضد ميثاق الأمم المتحدة”.
سورية تواجه سياسة غرب متوّحش يعود بمنجزات الحضارة البشرية وبالوعي الإنساني قروناً إلى الخلف. غرب يضرب ما أسفرت عنه حركة التحرر الوطني العالمية، وسعي المجتمع الدولي إلى الأمن والاستقرار والسلام الدولي. غرب رأسمالي امبريالي متوحش قامت فلسفة الانتقال الحضاري الحديث والمعاصر فيه على الدماء والدمار والأشلاء أولاً بدءاً من الحروب الدينية التي اجتاحته، إلى الحربين العالميتين، وصولاً إلى ما نشهده من طروحات نهاية التاريخ، وصدام الحضارات، ومحاور الشر، ونهاية العالم.
وسورية المنتصرة بقيادة الرئيس الأسد وفي العدوان الثلاثي عليها ستسهم من جديد في رسم صورة مستقبل المنطقة والعالم، وهي قادرة مع حلفائها على هزيمة عدوان ثلاثي ليس عليها وحدها بل على قضية القدس وعلى لبنان والعراق واليمن وروسيا وإيران… وسائر أحرار العالم وشرفائه وعلى ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق الجامعة العربية الذي باعه ” الأعراب” دون مقابل وبوضاعة.
هذا الانتصار تحييه بالأمس واليوم وغداً مسيرات شعبية في عدة مدن في وقت يعلن فيه الخونة وباعة الضمير والأوطان خيبتهم المريرة من نتائج العدوان، وترعبهم بل تقضّ مضاجعهم رمزيّة صورة السيد الرئيس وإيحائيتها وهو يدخل كالمعتاد حاملاً حقيبته إلى مكتبه ليمارس مهامه في الانتصار للوطن وللعروبة، وفي مواصلة العمل على هزيمة الإرهاب ومشغليه، كالمعتاد أيضاً.
.. وهكذا يكون البطل.
د. عبد اللطيف عمران