لن تمروا..؟!
ينسب أي إنجاز في أي دولة إلى قطاعات أو جهات أو شركات أو حتى أفراد، ولطالما تحتسب الانتصارات السياسية أو العسكرية في خانة الدبلوماسية وقوة الجيوش والمؤسسات العسكرية والاستخباراتية، ولكن ثمة خصوصية لا تليق إلا بصناعها السوريين الذين يعرفون كيف تنسج الحسابات وتطبخ الخيارات وتدرس النجاحات بتوليفة هي وليدة هذه الأرض تقوم على تشاركية مجتمعية ورسمية وأهلية، ينخرط فيها الكل باندماج المجاميع البشرية ذات الإرادة البناءة، وبتوحد البنى والجغرافيا المدعومة بتاريخ لا ينضب..؟
في سجل الحضارة السورية في عصورها الحديثة وقرونها الغابرة كتب على هذا الشعب أن يكون أمة حية وفتية تنبض بالحياة والعمل، وتستنبط روح الإنتاج والإعمار والإبداع من عنوان عريض يولد مع الجينات قوامه الزرع والضرع والصناعة والتجارة والإنشاء والبناء بالعلم والعمل، وكل ذلك منبته حب الوطن والذود عنه، وهذا ما قصدناه من تعاضد الصغير والكبير في معارك المواجهات والمنازلات الميدانية والنفسية..
وكما أسلفنا على عكس كل الشعوب ينفرد أبناء هذا البلد في بناء جبهات يقف “الجيش” في خندقها الأول والمواطن أياً يكن في خنادقها الداخلية، إذ لا كلمة تعلو على مواجهة الأعداء في الخارج والداخل، وهذا ما تجسد منذ أن كتب لسورية أن تكون في محور المقاومة والممانعة في وجه الاستعمار والعدوان وأذرع الإرهاب العالمي، إذ لم يكن الجندي يوماً وحيداً، بل المجتمع كله في ميمنته وميسرته ومن خلفه كان ومازال رديفاً وممولاً وداعماً ومضحياً، وإكسير الانتصار السوري بلا منازع.
على مدار سنوات الحرب السبع كانت الصورة كذلك والمشهد التقليدي كما هو.. شعب مقاتل كل من موقعه وميدانه وقدراته وكفاءاته وإمكانياته التي لا تبخل بالغالي والرخيص، لقد واجه الجميع فصول الأذى والتخريب والقتل والتدمير والإرهاب.. من طالب رابط على مقاعد دراسته، ومعلم أخذ المدرسة والجامعة متراساً، وموظف وعامل استهدفا في رحلة تحدي الدوام، وطبيب ومهندس ومحامٍ وحرفي وفلاح وتاجر وصناعي وصحفي جميعهم شكلوا جيشاً مجتمعياً حارب في كل الساحات والميادين.
واليوم يكتب أبناء البلد صفحة جديدة في مواجهة عدوان ثلاثي تواطأ شياطينه وأبالسته على استباحة الكرامة والشرف السوريين تحت بنود الكذب والخداع لضرب الوطن وكسر صموده ومنع مسيره نحو النصر والحياة، إذ تأتي أساطيل وبوارج ومقاتلات وصواريخ الحقد لتجد أجساداً تتصدى للنار، وعيوناً تقاوم المخرز وجبهات لا تعرف الذل، والكلمة الفصل ..”لن تمروا”.. فهنا دمشق.. وهنا الشام”، حيث لا نعيش إلا فوق الأرض، لا يعرف الصغير ولا يدرك الكبير عناوين ملاجئ أنشئت منذ أربعين عاماً في المدن والبلدات.. ولا مخابئ ولا أنفاق وجحوراً كما الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني والفرنسي، وكذلك حال الإرهابي الجبان والمهزوم تحت ضربات الجيش وحاضنته الشعبية العريضة.
بالأمس وعلى مدار أيام التهديد والوعيد لم يتغير ببرمجة السوريين شيء، وحتى مع قدوم العدوان كانت المفاجأة التي حيرت المراقبين والمحللين الدوليين، بأن الناس استفاقوا ليهرعوا إلى الأسطح والشرفات والنوافذ ويهللون لدفاعات جوية تصطاد “الجمال والذكاء” القادم من عرض البحار وقواعد العمالة والرجعية والخيانة الإقليمية والعربية، وغير عابئين بالموتورين على المحطات والمواقع والصفحات، فالمئة صاروخ “الترامبي” تلقت درساً قاسياً بإسقاط أكثر من 70 صاروخاً في سماء محرمة عليهم، وأرض لا يطؤها غير أهلها وأصدقائها وضيوفها طالبي السلام..
فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة، وليس الإرهاب والقتل وصواريخ الدمار القادم من الغرب الذي لا يجلب إلا الموت لأرض مشرقية تصدر الشمس إلى العالم أجمعين..؟
علي بلال قاسم