الـ (لا).. السورية..!
لم يخضع الشعب السوري عبر تاريخه الموغل في القدم أو الحديث إلى أي استعمار أجنبي من أي نوع كان!
وكان هذا الشعب ينتفض في اليوم التالي لاحتلال بلاده من قبل أي غزو خارجي، ولم يكن يحد من ثورته ضد الاحتلال حفنة من الأوغاد والعملاء والخونة.. كما يحصل الآن منذ بداية الحرب الكونية بقيادة أمريكا على سورية!
وليس مصادفة أن تحتفل سورية بعيد الجلاء، وليس الاستقلال كما تفعل جميع الدول التي حصلت على استقلالها من الاستعمار؛ لأن الشعب السوري لم يكن يوماً غير حر أو مستقل، لذا هو احتفل في 17 نيسان 1946 بجلاء آخر جندي استعماري من بلاده، فهو لم يرضخ يوماً للمحتل كي يقال: إن الاستعمار منحه الاستقلال هبة أو منة!
ولأن الشعب السوري يرفض الرضوخ والتبعية للخارج.. فإن الغرب الاستعماري لم يتوقف يوماً عن التآمر عليه لإخضاع بلاده للهيمنة منذ عام 1946!
وقد اشتد التآمر على سورية بعد أن تبنت أمريكا الكيان الصهيوني وبدأت بتحويله إلى قاعدة عسكرية متقدمة للعدوان على الرافضين للخضوع الإمبريالي!
وكانت باكورة هذا التآمر انقلاب حسني الزعيم الذي خطط له وأداره بعناية فائقة (ستيفن ميد) معاون الملحق العسكري في البعثة الدبلوماسية الأمريكية بدمشق، والتابع مباشرة للمخابرات المركزية الأمريكية.
كانت الصفقة آنذاك تنص على التالي: (تحالف عسكري سوري أمريكي يجعل سورية مكاناً حصيناً في وجه التوسع السوفييتي!).
واستمر التلاعب الأمريكي بمعظم القيادات السورية حتى قيام ثورة الثامن من آذار التي أنهت حقبة الانقلابات، وبدأت بإعداد سورية عسكرياً وشعبياً لمواجهة المؤامرات الخارجية والعدو الصهيوني معاً.
أمريكا التي فوجئت بثورة البعث.. تحركت سريعاً، فأوعزت إلى الإخوان المسلمين بإثارة الفوضى والقيام بأعمال شغب وقتل واغتيالات في عام 1964!
ولم يتوقف التآمر الأمريكي على سورية في العقود التالية؛ فورقة الإخوان المسلمين استثمرت مجدداً في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وبتفجير الأعمال الإرهابية مجدداً في عام 2011!
والهدف الدائم كان ولا يزال: إخضاع سورية للهيمنة الأمريكية!
وأدرك القائد المؤسس مبكراً أن مواجهة التآمر الخارجي ورفض التبعية لا تكون بزيادة القدرات العسكرية فقط، وإنما بزيادة القدرات الاقتصادية أيضاً!
ولترجمة ذلك أطلق مشروع بناء سورية الحديثة.. وفي ذروة الحصار الاقتصادي وجه الحكومة إلى البدء ببرنامج الاكتفاء الذاتي!
ونجحت سورية خلال سنوات قليلة أن تستقل اقتصادياً؛ ما مكنها أن ترفع كلمة (لا) في وجه الغرب الاستعماري.
وقد سبق وتحدثنا عن هذه الـ (لا) السورية في مقالة نشرت في العدد /118/ من (البعث الاقتصادي) عام 2000، وأشرنا فيها إلى تأكيد بعض الباحثين الأكاديميين الأمريكيين أن أمضى سلاح أمريكي لإخضاع شعوب العالم هو المعونات الأمريكية.
وهذه المعونات هي مصيدة من يقع في براثنها، لن يستطيع أن يقول (لا) لسياسات أمريكا!
وما يُغضب أمريكا ويخرجها عن طورها أن سورية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تقول (لا) لهيمنتها منذ ثورة البعث.
قالتها ضد اتفاقيات كامب ديفيد، واتفاقيات أوسلو، واتفاقيات وادي عربة، واتفاقية 17 نيسان.
والأهم أنها قالت (لا) لأي اتفاقيات مع إسرائيل قبل عودة جميع الأراضي العربية المحتلة وعودة اللاجئين وقيام الدولة الفلسطينية.. إلخ.
وهكذا أثبتت سورية منذ عام 1963 أن بإمكان أي دولة مهما كانت صغيرة أن تقول (لا) للغرب الاستعماري عندما تكون مصالحها القومية في خطر.
وبفعل سياسات القائد الراحل حافظ الأسد الاستراتيجية وخاصة الجانب الاقتصادي منها تمكنت سورية أن ترفع كلمة (لا) عالية في وجه الأمريكان؛ لأنها كانت وستبقى غير خاضعة للهيمنة الأمريكية بسبب تحررها من الاستعمار الاقتصادي!
ومن المفيد التذكير دائماً برد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندالزا رايس الغاضب والمستنكر على سؤال للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي عن أسباب فشل الضغوط على سورية: ولكن سورية لا تستورد القمح من أمريكا!!
حصل ذلك عندما كانت سورية تعاني من تخزين 5 ملايين طن في العراء، أي بما يكفي شعبها لأكثر من عامين!
والعدوان الأمريكي الأخير ليس بسبب “الكيمياوي” المزعوم.. وإنما بسبب الـ (لا) السورية التي رفعها الرئيس بشار الأسد بقوة في وجه الأمريكان منذ احتلالهم للعراق عام 2003!
هذه الـ (لا) التي يرفعها الرئيس الأسد باسم الشعب السوري حماية لاستقلاله ولسيادته تصيب الغرب بزعامة الأمريكان بالهستيريا.. وهي كانت وستبقى عنوان الانتصار على أعداء الشعب السوري.
علي عبود