هل يتكرر السيناريو؟ “الخادمات”.. حضور متزايد في سوق العمل ومنافسة لفرص العمالة الوطنية
صور كثيرة تم التقاطها لهنّ من كافة الجوانب، آخذين بعين الاعتبار مقاييس خاصة تم وضعها من قبل أصحاب الطلبات غير مغفلين وضع شروط معينة، كالخبرة والتفرّغ التام للعمل، وغيرها من الشروط التي لا يرضى بالعمل ضمنها، إلّا من كانت بأمس الحاجة للعمل.. ولعلّ الحاجة الكبيرة هي التي دفعتهن إلى العمل في خدمة المنازل بعد أن أغلقت الحياة كل منافذها بوجههن، لكن الأمر اليوم لم يعد كالسابق، فقد باتت بعض صفحات التواصل الاجتماعي هي المسؤولة عن التسويق والترويج لهؤلاء الخادمات المحليات من خلال عرض صورهن ومعلومات كاملة عن مؤهلاتهن وخبراتهن بعد أن انحسر استقدام الخادمات الأجنبيات خلال الأزمة بشكل كبير بسبب الترويج من قبل الدول المعادية عن خطورة الوضع في بلدنا، وبالتالي بث الرعب في النفوس كي لا يفكروا في القدوم إلى سورية للعمل بها.
برستيج اجتماعي
وعلى الرغم من السنوات القاسية التي مررنا بها، إلّا أننا لم نشهد اختفاء ظاهرة العمالة الخارجية “خادمات أجنبيات” في الكثير من منازل السوريين الذين حافظوا على مستوى معيشتهم السابق دون أن تؤثر الأزمة على مستواهم المادي، ناهيك عن ارتفاع السقف المادي عند أسر جديدة، فتحت سنوات الحرب لها أبواباً كثيرة لجني الأموال بشكل غير مشروع، وبالتالي وجدوا في استقدام الخادمات للعمل في منازلهم ضرورة أوجبها الوضع الجديد الذي يمروا به، إذ أن “البرستيج الاجتماعي” بات ضرورياً مع نمط الحياة الجديدة للكثير من العائلات حديثة النعمة، وأصبح وجود الخادمة في المنزل ترفاً أكثر منه حاجة، وعلى الرغم من انخفاض عدد العاملات الأجنبيات القادمات خلال السنوات الأخيرة للعمل في منازل السوريين، إلّا أن السوريين يفضّلون الخادمة الأجنبية على السورية، كونها تتحمّل أعباء العمل أكثر من السورية، كما أن الأجر الذي تتقاضاه يتناسب مع الكثير من العائلات على عكس الخادمة السورية التي لا ترضى بأي مبلغ مادي مقابل عملها، ناهيك عن المعاملة القاسية التي تخضع لها الخادمة الأجنبية والتي لا تستطيع أن تشتكي لأحد عن الوضع المذل لها، في حين لا تستطيع الخادمة السورية السكوت عن المعاملة السيئة، بل على العكس تقوم بالادّعاء على أصحاب المنزل بشكل فوري.
ترخيص المكاتب
مكاتب كثيرة، حاولنا التواصل معها لمعرفة إحصائية عدد العاملات المستقدمات خلال الأزمة، وكيف يتم التعامل معهن، وإيصالهن إلى العائلات التي تبحث عن خادمات أجنبيات، لكن محاولاتنا باءت بالفشل لنتجه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي قدمت لنا شرحاً تفصيلياً عن استقدام الخادمات الأجنبيات، حيث أوضحت دالين فهد، “مديرة القوى العاملة” في الوزارة، أن المرسوم التشريعي رقم 65 لعام 2013 نظّم أحكاماً وشروطاً لترخيص المكاتب الخاصة لاستقدام العاملات في المنازل من غير السوريات وشروط وقواعد استخدامهن داخل سورية، حيث ألزم القرار طالب الترخيص تقديم إيصال خزينة يتضمن تسديد بدل الترخيص لحساب الخزينة المركزية، قدره 300 ألف ليرة، وتقديم كفالة نقدية غير مشروطة، وغير قابلة للإلغاء بقيمة 15 مليون ليرة على أن تصدر عن أحد المصارف العاملة والمرخصة أصولاً، كما يلتزم صاحب المكتب بتأمين مقر إداري للمكتب، ومقر إقامة مؤقت لمبيت العاملات، وفتح سجل خاص لبيانات العاملات اللواتي تم استقدامهن، وسجل يوضح آلية الاتصال بالمستفيدين، والعاملات اللواتي يعملن لديهم، وتقديم البيانات التي يطلبها مفتشو العمل، وفتح حساب مصرفي، تسدد فيه الالتزامات المادية المستحقة على المستفيد تجاه المكتب، وتأمين مستفيد للعاملة في حال إعادة المستفيد العاملة للمكتب، وتأمين سفر العاملة إلى بلدها على نفقة المستفيد إذا تجاوزت مدة استخدامها لدى المستفيد ثلاثة أشهر، وأكدت فهد أن هذا القرار من شأنه أن يؤمّن الحماية للعمالة المنزلية السورية في إطار قانوني والتي هي موجودة في الواقع، ولكنها كانت غير محمية قانونياً، وأن وجود قانون يحمي العمال المنزليين سيشجع العديد على القيام بهذه الأعمال، وخاصة في ظل الأزمة الراهنة التي دفعت لإصدار هذا القانون بناء على رغبة الكثير من الأشخاص بمزاولة العمل المنزلي، كما حدد القرار الصادر بتاريخ 2014 الجنسيات المسموح باستقدامها وهي”الأندونيسية البنغلاديشية- السيريلانكية- النيبالية- الفيتنامية- الفليبينية-” والعاملات المنزليات من غير السوريات الأكثر استقداماً هي من الجنسية الأندونيسية والفلبينية والبنغلاديشية.
منافسة للعمالة الوطنية
لا شك أن استقدام العاملات الأجنبيات، انخفض خلال الأزمة نتيجة الظروف الاقتصادية التي أحاطت بالجميع، والصورة الخاطئة التي جعلت تلك العاملات يخشين القدوم للعمل في سورية، وبالتالي انخفض عدد مكاتب استقدامهن، وبلغ عدد المكاتب المرخصة لاستقدام العاملات المنزليات من غير السوريات 17 مكتب استقدام، أغلب توزعها ضمن مدينة دمشق، حسب إحصائية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتتم الرقابة على مكاتب الاستقدام من خلال متابعة التزامها بتطبيق أحكام المرسوم رقم 65 لعام 2013، حيث تم إيقاف أربعة مكاتب لمخالفتها أحكام المرسوم، كما بلغ عدد المكاتب الملغى ترخيصها 40 مكتب استقدام، كما بلغ عدد المربيات الممنوحات الموافقة على استقدامهن خلال سنوات الأزمة منذ عام 2015 إلى اليوم 2416 عاملة منزلية، وفي معرض ردها على استفسارنا حول منافسة هذه العمالة للعمالة الوطنية، أكدت مديرة القوى العاملة بأنه لا توجد حصة من العمالة الوطنية للعاملات المنزليات من حجم سوق العمل لعدم وجود مكاتب استقدام للعاملات السوريات، إلا أنه منذ بدء الأزمة حدثت اختلالات بآليات العرض والطلب في سوق العمل الخاصة باستقدام العاملات الأجنبيات، ما ألقى على كاهل الوزارة الكثير من الأعباء لتصحيح هذه الاختلالات قدر المستطاع، وضمن الإمكانيات الحالية المتاحة.
نزيف اقتصادي
تساؤلات كثيرة طرحها الباحث الاقتصادي محمد كوسا عن الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لاستقدام هذه العمالة، وما هي القيمة المضافة التي يقدمها وجودهم في بلدنا، خاصة خلال سنوات الأزمة التي نحن فيها بأمس الحاجة لاستقدام قيمة مضافة تساهم بالنهوض باقتصادنا ولا تضعفه، فما استقدام الخادمات الأجنبيات، برأي كوسا، سوى حالة خدمية ورفاهية تقدم قيمة قوة عملها لمجموعة تتمتع بقدرة مالية عالية لترفيه أنفسهم، وخلق رفاهية زائدة في منازلهم، ولا تقدم أية منفعة اقتصادية، بل على العكس هم حالة ضاغطة على الاقتصاد الوطني، فتكاليف استقدامهن بالعملة الصعبة تشكّل نزيفاً اقتصادياً للبلد، لأن هذا المبلغ يذهب خارج البلد، وبالتالي هذا يعد نزيفاً اقتصادياً في غير جدواه الاقتصادية، ولاسيما أن عددهن يزداد مع كل عام، ولو قامت الحكومة بتوجيه تشغيل هذه المبالغ إلى عمالة معينة تؤدي خدمات حقيقية للأسر، سواء كانت غنية أو فقيرة، وهذه الخدمات تؤطر ضمن مشاريع مؤسسات خدمية ذات مردود اقتصادي جيد، فإنها ستكون حققت حالة من تشغيل اليد العاملة ضمن إطار مؤسساتي راق “مشاريع صغيرة ومتوسطة”، وبالتالي نكون قد خلقنا مجتمعاً من المشاريع الصغيرة، وأوجدنا عملاً للعاطلين عن العمل، ولبّينا مطالب الأسر الفقيرة، وفي حال تم فتح الأبواب بعد الأزمة لاستقدام العمالة، سيتسبب ذلك بحالة ضغط على النقد الأجنبي، وحالة من عدم استقرار سعر الصرف الذي يُفترض توظيفه بأماكن اقتصادية فاعلة، وبالتالي من المفروض أن تكون العمالة الأجنبية المستقدمة عمالة خبيرة لها القدرة على إضافة قيمة مضافة لاقتصادنا، أما العمالة الأجنبية، “الخادمات”، فهي حالة غير ضرورية تعيق تطور مجتمعنا اجتماعياً، واقتصادياً، وحضارياً، خاصة في مرحلة إعادة الإعمار القادمة.
مرض نفسي
وجود الخادمة في المنزل هو اختراق لخصوصية هذا المنزل، فالخادمة لا يمكن أن تحمل الحب الحقيقي، ولا الرغبة الحقيقية في المساعدة، بل هي عبارة عن أداة تؤدي الواجب المفروض مقابل المادة، واعتبرت الدكتورة رشا شعبان، “علم اجتماع”، أن الواجب الذي تقوم به الخادمة ليس من منطلق المسؤولية والواجب الأخلاقي، بل هو عبارة عن مقايضة وبيع للخدمات مقابل أجر معين، وهذه الخدمات تخلو من المحبة والضمير، وتحتاج دائماً لمراقب خارجي، فالطريقة التي تتعامل بها الخادمة مع الأبناء أمام الأهل تختلف كلياً عن الطريقة التي تعاملهم بها في حال غياب الأهل، وبالتالي هذه الخدمات التي تقدمها الخادمة تصلح لما هو خارج المنزل، والخادمات الأجنبيات بشكل خاص أخطر من الخادمات المحليات، لأنهن يحملن ثقافة مختلفة، ولغة مختلفة، وتاريخاً غامضاً، وبالتالي نكون أمام شخصية غريبة، وحالة اغترابية داخل المنزل، وسيتعرّض الأبناء لحالة من الازدواجية في القيم، لأن الثقافة بين الشعوب نسبية، ناهيك عن اختلاف اللغة التي هي تاريخ وثقافة، وبالتالي تحدث حالة من الركاكة والاضطراب النفسي للطفل نتيجة الركاكة في اللغة التي تتواصل بها الخادمة معه، كذلك يتعلّم الطفل سلوكيات عدوانية بوجود خادمة في المنزل نتيجة مشاهدته طريقة تعامل الأم والأب معها، ما يخلق سلوكاً عدوانياً لهذا الطفل أمام مجتمعه، وإشكالية تربوية وأخلاقية، ولا نستطيع أن ننكر أن وجود الخادمة في المنزل يؤدي إلى انعدام الإحساس بالمسؤولية داخل المنزل، ليصبح الأولاد اتكاليين، ولفتت شعبان إلى أن الأم تصبح غريبة عن أبنائها في حال وجود الخادمة، فالأمومة ليست بيولوجية فقط، بل هي رعاية واهتمام، وبالتالي تفقد مركزها ودورها الأساسي في المنزل، وأكدت شعبان أن الأم العاملة المدعية كثرة مسؤولياتها، واضطرارها لوجود خادمة بمنزلها، هي إنسانة غير قادرة على تنظيم أمورها، فكلما زادت المسؤولية على المرأة، باتت أكثر قدرة على التنظيم داخل المنزل، وبالتالي الخادمة ما هي إلا “برستيج” للمرأة المريضة نفسياً التي تفقد الثقة بالنفس، والحضور الفكري والذهني، وبالتالي نجدها تصطحب معها الخادمة أينما ذهبت كأداة للتباهي أمام المجتمع للتعويض عن النقص الذي يعشعش بداخلها.
ميس بركات