الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أكتافيو باث.. يكبر في غيابه

 

ثقافتان أثْرتا العوالم السحرية للشاعر المكسيكي من أم إسبانية “أكتافيو باث”أكبر شعراء أمريكا اللاتينية دون منازع، الثقافة الهندية الأصلية السّابقة للوجود الكولومبي، والثقافة الإسبانية المعاصرة الغربية، ليجيء هذا التمازج المدهش بين السحري والواقعي الذي نجد صداه في مختلف أعماله الإبداعية الشعرية على وجه الخصوص وكأنه نتاج أكثر من شاعر معاً، ليس من حيث التنافر في صياغة القوالب الشعرية، بل من حرفيّته التي تبدو للقارئ كأنها تلقائية وعفوية، وجعل نصّه الشعري مؤسّساً على الصورة، التي تشتغل ببلاغة بارعة على وضع المجاز واللغة والعالم على قدم المساواة، وذلك في تقديمه للمحسوس السامي منه وعكسه، وليضع “باث” بهذا المعنى قصيدته ليس في مواجهة العالم فحسب، بل إنها تحاول حتى أن تحتويه كمخلوق جديد، وإن كان هذا العالم سابقاً لقصيدته.
وباث الحائز جائزة نوبل للآداب، كأول شاعر وأديب مكسيكي يفوز بهذه الجائزة، تحل اليوم الذكرى العشرون لدخوله عتمة خياله وعبوره حاجز الضوء البارد، وقد كسر الاحتكار الأوروبي للشعر في العالم الغربي، فحاز شعره محبّة كل من قرأه بلغته أو مترجماً، إن كان بالدهشة التي تولّدها مفرداته الشعرية المشحونة بطاقة إيحائية فريدة فعلاً، أو بأسلوبه البارع في تأسيس الصورة الشعرية لنصّه، أيضاً بالإيقاع الذي يقول عنه “أكتافيو”: إنه ليس هو النغم فقط، بل هو إذا جاز التعبير الشكل الذي ينتظم القصيدة، لحناً وفكرةً ولغة.
ولد أكتافيو باث عام 1914 في إحدى ضواحي مدينة مكسيكو العاصمة لأب مكسيكي وأم من جنوب إسبانيا، نشر أول أشعاره وهو في السابعة عشرة من عمره، ثم التقى بالشاعر التشيلي بابلو نيرودا وتأثر بشعره. وفي عام 1936 شجّعه نيرودا على زيارة إسبانيا لحضور مؤتمر الأدباء بمدينة فالنسيا، وكانت الحرب الأهلية الإسبانية على أشدّها في ذلك الوقت.
شملت كتابات أكتافيو باث الشعر والفن والدين والتاريخ والسياسة والنقد الأدبي، ونشرت له خمسة دواوين شعرية صدر أولها سنة 1949 وآخرها سنة 1987، ومن أهم أعماله التي كرّمتها الأكاديمية السويدية عندما منح جائزة نوبل عن كتابه “متاهة العزلة” الذي صدر سنة 1961 وحاول فيه باث أن يتحرّى عن شخصية الإنسان المكسيكي ويسبر أغوارها، ومن أشهر أعماله “حرية تحت الكلمة” و”فصل من العنف”.
من أشعاره: “كنتِ في نهارٍ آخرَ/كنتِ بجانبي/ورأيتكِ كالثلج/ نائمةً بين المظاهر/فالزمن يبتكرُ من دون معونة منّا/بيوتاً، شوارعَ، أشجاراً ونساءً نائمات/وحينما تفتحين عينيكِ/سنمشي من جديد بين الساعات ومبتكراتهن/سنمشي بين المظاهر/سنُثْبتُ للزمن وتصريفاتِه/وربّما سنفتح أبوابَ النهار فنَدخُل المجهول”.
إعداد: تمّام علي بركات