“الثريد” على موائد العبيد!؟.
د. نهلة عيسى
الثالثة وأربع وخمسون دقيقة فجراً, وفي الخارج الذئاب تتلطى في السماء بالظلمة, وبيننا وبين النهار حائط من الوجوم, والخوف على الوطن عنكبوت, والقلب في شراكه, فراشة تموت, وماء القهر يفيض في بئرنا, والمنادي ينادي: أماءٌ هذا أم دمٌ؟ والوجوه جدار, آه ما أقسى الانتظار حين يكون السؤال: نكون أو لا نكون؟.
الثالثة وخمس وخمسون دقيقة فجراً, والأصوات في السماء تهلل للعدم, والصوت بات صوتين ثلاثة, أربعة, مئة صوت وصوت, ووقفنا على الأسطحة على موتنا نتفرج, وركام الذكريات عن بلد كان جميلاً يتعالى, والأصوات تزداد زخماً, إنها آخر ورقة توت, سقطت عن عورة المبشرين “بالثورة”, تتدحرج مستفسرة: أي قبح غطيتم بي أيها الكفرة؟ فتغمغم الجدران المتهاوية: مات الذين يجيبون, فعانقي مثلنا الأرض, علها تغفر لك الجرم, فالتاريخ لا يرحم المغفلين!؟.
الساعة الرابعة فجراً, وصوت الغدر يتابعني أينما سرت, فأرفع صوتي ليطغى على صوت العدم: لماذا إذا ما تهيأنا للنوم غافلنا صوت الموت, ولماذا صار صوت اليمام والحمام.. كعوب بنادق, وقنابل تسقط في كل آن, وصارت حياتنا مرهونة بقذف العملة في الهواء: “طرة أم نقش”, ومن يملك العملة يملك الوجهين, ونحن بين بين, ولماذا الحق يتيم يتشح بالخرس!؟.
الساعة الرابعة والنصف والعدوان علينا مستمر, والعمامات العربية على شاشة التلفاز تتصارع أمام عيناي الباحثة عن جواب: إن كان القرآن مخلوقاً أم أزلياً!؟ وخفقات قلبي تتصاعد غضباً وتسألني: يسألون عن القرآن ويتناسون الدماء, كم باسم الرب هناك لصوص وأدعياء, توجوا أمريكا مقام النبي, وجعلوا من أنفسهم خداماً للمقام!؟.
الساعة الخامسة إلا ربع فجراً, والغبار يرافق الهواء, وصواريخ العدو تهز سقوف منازلنا, ونارنا ترد على النار في السماء, وعيناي مثل عباد الشمس تعانق الأفق, تخاطب رباً لا يُرى: مولاي أود لو أسأل: هل هذه مشيئتك, أن يقتل أطفالنا, وأن تزرع السكاكين في قلوبنا, وأن ينادي فوق جثثنا, الخدامون والقوادون وباعة أمهاتهم, في أزقة وشوارع مشيخات البترودولار: (لا غالب إلا الله)!؟.
مولاي: صحيح لا غالب إلا الله, ولذلك ترد صواريخنا النار بالنار, وترد عار بعض العرب إلى نحر سادة هؤلاء العرب, لئلا يصير دمنا ماء, وكي لا تغادر أعيادنا الثياب الجديدة, ونجلس فوق الرماد نستمع لألسنة الخيانة تصدح, تبرر, وبريق الذهب الممنوح من السلطان يتلألأ في العيون: لماذا مفروض علينا أن نعيش دوماً بين خطوط المصالح, ما بين خط ابن العم الزنيم وخط الغريب الفاجر, رغم أن خط الصواب في مرمى النظر, صواريخنا ترد على الحقد بالحق, لكي لا يبقى غالب إلا الوطن!؟.
الساعة الخامسة والربع, وخيوط النهار تشق درب العتمة, وصوت الموت انحسر, وقامات صلاح الدين الأيوبي, والأطرش, وهنانو, وصالح العلي, وجول جمال, وحافظ الأسد, انتصبت من جديد, في الأمويين فوق جواد السحاب, فوق حصان الحقيقة, يصهل: لا يطأ الأرض إلا بنوها, ونعم الصهيل, فصواريخنا امتطت صواريخهم, وقدمتها طعام “ثريد” إلى موائد العبيد, عفواً.. موائد الحكام العرب, هؤلاء الذين تدلت كراماتهم فوق فرائصهم المرتعدة, وأكل سيوفهم الصدأ, هي النار اللسان الذي يتكلم بالحق, تبيع للعروش حطام الصواريخ التي اشتروها لكي نموت, وتشتري بثمن الحطام من على عروشهم العبيد!؟
الساعة الخامسة والنصف صباحاً, والخيل البرية تتنفس الانتصار, حيث تتساوى محصلة الرد والرفض في الميدان, ودمشق عروس, وساحة الأمويين, ساحة عزم, وبيارة ولاء, والوطن غار فوق الرؤوس, والفم لم يمتثل للجام, والمغيرات صبحاً تحولن إلى سلاحف على الأرض, إلى ركام, سوف نضعه في زوايا المتاحف المفتوحة, تماثيل عار لمن فكر بأن يجللنا بالعار.