صناعة الحليب في ريف دمشق.. صعوبات كبيرة في التسويق منتجون تحت رحمة السماسرة والتجار
محافظة ريف دمشق مازالت محرومة إلى الآن من وجود معمل للألبان يقوم بتصنيع ذلك الإنتاج وتسويقه، ومازال المربون يواجهون صعوبات بالغة في تسويق الحليب، وقد فشلت جميع محاولاتهم المتعلقة بإنشاء معمل للألبان بريف دمشق، مثلما عجزت المحافظة عن تحقيق هذا المشروع، وسنحاول في هذا الموضوع استعراض كميات الحليب المنتجة سنوياً في المحافظة، ومشكلات تسويقها، وأهمية إقامة معمل لتصنيع الألبان بالمحافظة، والدور الذي يمكن أن يقوم به خدمة لمربي الثروة الحيوانية وللمستهلكين معاً.
إنتاج الحليب
محافظة ريف دمشق، فقدت أكثر من 60 % من الثروة الحيوانية، وإنتاج الحليب انخفض نتيجة نقص رؤوس الأبقار، أكثر من 60 % من الثروة الحيوانية، فقدت في دمشق وريفها، وأن منطقة المليحة كان يوجد فيها نحو 6 آلاف رأس بقر، وفي دوما كان هناك نحو ألفي ورشة لصناعة الجبنة، وجميعها أغلقت، وهذا ما أثّر على السوق، وتجدر الإشارة إلى أن أعداد الأبقار في ريف دمشق أصبحت لا تُذكر، حيث أصبحت دمشق وريفها تعتمد على ما يتم توريده وبشكل متقطع من حماة ومن درعا وبعض مناطق القلمون بريف دمشق، فلا يمكن الوصول إلى إحصاءات رسمية حالياً حول عدد الأبقار، وبعملية حسابية بسيطة يتبين لنا أن إنتاج المحافظة الكلي من الحليب يبلغ سنوياً 55 ألف طن تقريباً، رغم ظروف الحرب الإرهابية، ورسمياً يبقى القطاع الزراعي من أهم القطاعات الاقتصادية، وبمساهمة 21 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبمختلف إنتاجياته الزراعية والحيوانية، وما يهمنا هنا مادة الحليب، هذا المنتج المهم والرئيسي الذي لم ينل، بعد كل هذا الاهتمام الكافي من قبل الجهات المعنية تحديداً، الإشراف الصحي والمراقبة على عمليات توريده، وتسويقه، ونقله، وحتى بيعه.
صعوبات في التسويق
يقول محمد خلوف، رئيس اتحاد فلاحي دمشق وريفها: مربو الثروة الحيوانية في بعض المناطق مازالوا يعانون من صعوبات بالغة في تسويق إنتاجهم من الحليب، نظراً لعدم وجود جهة معينة، أو منشأة محددة، سواء أكانت حكومية أم خاصة تقوم بتسويق إنتاجهم من الحليب يومياً، وأمام هذا الوضع فهم مضطرون لنقل إنتاجهم إلى المحافظات المجاورة، وبيعه في الأسواق بشكل فردي، أو يغزوهم تجار الحليب الذين يتسوقون الإنتاج منهم بأسعار متدنية، وأحياناً أقل من التكلفة، وفي كلتا الحالتين يتعرض أصحاب الحليب للمتاعب والخسارة، وهناك العديد من القصص المدهشة التي تحصل بين تجار الحليب ومربي الثروة الحيوانية، وتنعكس آثارها السلبية على المربين فقط، ففي بعض الأيام ينتظر المربي تاجر الحليب في الموعد المحدد لاستلام المادة، ويمر الوقت، وينقضي الموعد، ولا يأتي التاجر، فيضطر المربي لتوزيع الحليب على الجيران، أو على أصحاب المحال التجارية بأرخص الأثمان، ويواجه مربو الثروة الحيوانية هذه المعاناة والمتاعب منذ سنوات، ولم يجدوا إلى الآن حلاً لمشكلاتهم في تصريف إنتاجهم من الحليب، وقد طرقوا معظم الأبواب لتجاوز هذه المشكلة المزمنة، ولكن دون أن يصلوا لحل جذري حتى الآن.
يلعب نقل المنتج، وخاصة الغذائي، دوراً مهماً في الدورة التسويقية، ونظراً لبعد المسافة، فمن البديهي تخفيض تكاليف النقل بشكل رئيسي، فالمنتجات الزراعية بمعظمها سلع طازجة، وتالياً هي هشة، وقابلة للتلف، ولا بد من إيصالها إلى المستهلك في أقصر وقت لئلا تفسد نوعيتها، إضافة إلى ذلك فالنقل لمسافات طويلة يتسبب في التأخر في تسليم المنتجات للأسواق، والتعرض للحرارة، والتقلبات في وسائط النقل، الأمر الذي قد يعرّض المادة للتلف ووقوع خسائر، وحول هذا الوضع يضيف خلوف: إن إنتاج الحليب في ريف دمشق، وبكميات كبيرة يتم من خلال مربين ومنتجين، ليست في حوزتهم تلك الأساليب وأجهزة التعبئة المناسبة، ويعملون بعيداً عن أي إشراف ومتابعة صحية، ويتم نقل المنتج بوسائط نقل قد تكون عابرة، لا علاقة لها بأي معايير صحية، فالمنتج ليست له أي تسهيلات تخزينية أو حتى تمويلية، ما يعرضه لعمليات ابتزاز وسمسرة من قبل تجار يشترون المادة، وينقلونها غير آبهين بأي شيء، ولا تتم مراعاة الاشتراطات المطلوبة، ولا حتى أية جهة تلزمهم بذلك، فلا وجود للرقابة أبداً، ولا أحد يكترث لخطورة مادة الحليب في حال تم عطبها، وهكذا يتبيّن أن العمليات التسويقية التي تخضع لها مادة الحليب، مثلاً، تعد ذات كفاءة منخفضة، ويعد ذلك أحد المعوقات الرئيسة التي تقف في وجه تطوير عملية التسويق للمنتج، ولا تساهم المؤسسات التسويقية الحكومية إلا بنسبة قليلة جداً من إجمالي العمليات التسويقية المقدمة للحليب ومشتقاته، بينما يساهم القطاع الخاص بالجزء الأكبر من هذه العمليات التسويقية، وهذا الأمر بمنزلة مجال واسع لوقوع بعض التجاوزات التي من شأنها الإساءة للعملية التسويقية والإنتاجية على حد سواء، لذا كان لابد من دفع الجهات الرقابية لتكثيف حملاتها على منشآت وورش التصنيع الخاصة من أجل ضمان مادة مهمة تتأثر سريعاً بالأجواء وظروف نقلها، وتطوير أسلوب تسويق الحليب، وتقليل نسبة الفاقد، إضافة إلى تبسيط المسالك التسويقية المعقدة للحليب ومشتقاته، ونقل الحليب بعد تجميعه ومجانسته إلى وحدات التصنيع، ما يؤدي إلى رفع القيمة المضافة لذلك المنتج، وتالياً زيادة فرص الطلب على هذه المادة ومشتقاتها، وإيجاد فرص عمل إضافية تؤدي في النتيجة إلى زيادة دخل المزارع والمربي، وتبقى النقطة المهمة التي يجمع عليها الجميع أن تتم عملية النقل بأشكال وطرائق أكثر أماناً ونظافة من خلال استخدام خزانات معقمة، وسيارات خاصة بذلك، وغير ذلك كما هو الحال عليه الآن، فالمخاوف كبيرة والتجاوزات قائمة لا محالة، ونحن في محافظة ريف دمشق نعمل لإيجاد حلول لهذه القضية، بما فيها دراسة لإنشاء معمل مركزي للألبان في المحافظة.
الحل المطلوب
إن وفرة إنتاج الحليب في محافظة ريف دمشق، ومعاناة المربين في تسويق المادة، أمر يجعلنا نؤكد على ضرورة وأهمية إقامة معمل للألبان في المحافظة، ليقوم بتصنيع الفائض من إنتاج الحليب، ويساعد في حل مشكلة المربين الذين يعانون الأمرين جراء طرق التسويق القائمة حالياً، ومرارة التسويق في المحافظات المجاورة من جهة، ومرارة التسويق عن طريق تجار الحليب من جهة ثانية، وفي الواقع، إن فكرة إنشاء معمل للألبان بريف دمشق مطلب ملح ينادي به مربو الثروة الحيوانية، وغيرهم من الفعاليات الرسمية والشعبية بالمحافظة، إذ سبق لأعضاء مجلس الشعب من أبناء المحافظة أن طرحوا هذا الموضوع في جلسات مجلس الشعب التي انعقدت العام الماضي، كما أن السيد محافظ ريف دمشق عرض هذا المشروع من بين جملة المشاريع التي تحتاجها المحافظة أمام اللجنة الوزارية التي زارت المحافظة مؤخراً برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء، كما جاء ذكر هذا المشروع في الخارطة الاستثمارية التي أعدت للمحافظة عام 2004، لكن هذا المشروع مازال فكرة تطرح هنا وهناك، ولم تأخذ طريقها للتطبيق العملي إلى الآن، وها نحن نعود مرة أخرى لطرح هذا الموضوع، والتأكيد على أهمية إقامته في ريف دمشق نظراً للأهداف والغايات الإيجابية التي تتحقق من خلال تنفيذه، فمن جهة يقوم هذا المعمل بحل مشكلتي منتجي الحليب الذين يواجهون الآن صعوبة كبيرة في تسويق إنتاجهم، ويتعرّضون للمتاعب والخسائر بسبب نقل وبيع هذا الإنتاج في أسواق المحافظات، ومن جهة أخرى يقوم هذا المصنع بعد إنجازه بتصنيع إنتاج المحافظة الكافي لتشغيله، وتوفير فرص العمل لأعداد كبيرة من أبناء وعمال المحافظة، وتحقيق الأرباح المجزية نظراً لجدواه الاقتصادية، بالإضافة إلى أن إحداث هذه المنشأة سيساهم في دعم الاقتصاد الوطني، ويدفع بعجلة التنمية في المحافظة إلى الأمام، ومن الفوائد الأخرى لإقامة معمل للألبان في المحافظة الاطمئنان على سلامة تصنيع الألبان ومشتقاتها، حيث ذكر لنا بعض الفنيين العاملين في مديرية الصحة الحيوانية بدمشق وريفها أن الطرق الحالية في تصنيع الألبان التي تتم في البيوت هي طرق غير صحية، وقد تعرّض المستهلك لبعض الأمراض كالحمى المالطية، وغيرها نظراً لتلوث الحليب، ووجود الجراثيم في مشتقات الحليب المصنعة يدوياً، ومن هنا فإن تصنيع الألبان في مصنع حديث وفني كالذي يطالب به أبناء المحافظة يضمن سلامة الألبان المصنعة، ويحفظها من الإصابة بالجراثيم المؤذية لصحة المستهلك، وأخيراً، وبعد أن استعرضنا الأسباب الموجبة لإقامة معمل للألبان، وعرضنا أهميته وجدواه الاقتصادية، والأهداف التي يحققها، فإننا نطالب الجهات المعنية بتنفيذ هذا المشروع لما في ذلك من خدمة لمربي الثروة الحيوانية، ومن دور في تطوير واقع الثروة الحيوانية بالمحافظة، فهل يتم ذلك؟.
عبد الرحمن جاويش