موقف الاتحاد الأوروبي من حرب التجارة العالمية؟
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع بروغل أورغ 14/4/2018
آن الأوان كي يعمل الاتحاد الأوروبي على أكثر من مجرد التمني رداً على التحدي الأمريكي لعالمية التجارة، لأنه مع ظهور الشروخات الأولى في النظام متعدد الأطراف، سيكون من الصعب على الاتحاد الأوروبي الحفاظ على مسار وسط بين الولايات المتحدة والصين.
كانت المخاوف تهيمن على الجلسة الأخيرة لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي في المجلس الأوروبي في الفترة 22-23 آذار الماضي بشأن مستقبل التجارة العالمية، فمنذ إعلان الرئيس دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم، ومنح إعفاء مؤقت إلى الاتحاد الأوروبي، وكوريا الجنوبية، وعدد من الدول الأخرى، تم تقويض النظام التجاري القديم القائم على نظام قوي متعدد الأطراف فعلياً بحكم الواقع، إن لم يكن بحكم القانون.
لا ينبغي أن تشكّل التصريحات التي أطلقها ترامب مؤخراً مفاجأة، ففي الواقع تم انتخابه على أساس برنامج انتخابي مناهض للعولمة ومعادٍ للصين وألمانيا، وقد تساءل طوال حملته الانتخابية عن جدوى النظام متعدد الأطراف، على عكس التصورات، فإن آراء ترامب حول التجارة تنبع من فلسفة ثابتة.. في الواقع تعود أفكاره على الأقل إلى مقابلة في مجلة “بليه بوي” عام 1990، قال فيها: إن على الولايات المتحدة فرض تعريفات على شركة مرسيدس بنز.
كانت أولى أفعال ترامب بعد توليه لمنصبه، إعلانه أنه ينوي إخراج الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، وقد قوبل هذا الإجراء أحادي الجانب برد حازم من قبل الاتحاد الأوروبي والصين، أدى إلى عزل الولايات المتحدة في إعلان مجموعة العشرين في هامبورغ العام الماضي، وكان نجاح الدبلوماسية الألمانية في الحفاظ على اتفاق المناخ الدولي له الأثر الكبير في ذلك.. في الواقع قد يكون عزل التجارة الأمريكية والحفاظ على نظام متعدد الأطراف في مواجهة المناهضة الأمريكية أمراً مستحيلاً، فقد بدأت الشروخ الأولى في هذا النظام بالظهور.
بعد استقالة غاري كوهن كبير المستشارين الاقتصاديين لترامب، أصبح باقي فريق ترامب يرفضون التعددية بشكل أكثر حزماً، ويرى بيتر نافارو، المستشار التجاري الأقرب لترامب، ووزير أعماله ويلبر روس، أنه ينبغي إعادة التفاوض على جميع الصفقات التي تؤدي إلى عجز تجاري للولايات المتحدة.. في الوقت نفسه أيضاً، فإن روبرت لايتايزر، الممثل التجاري الحالي للولايات المتحدة، جعل احتقاره لمنظمة التجارة العالمية معروفاً، وهو خبير ماهر في استغلال المناطق الرمادية لقانون منظمة التجارة العالمية، ومن خلال تبرير الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم وفقاً لأسس الأمن القومي، ليس من الصعب على الولايات المتحدة الطعن في تعريفات منظمة التجارة العالمية والتي تسمح من حيث المبدأ بفرض الرسوم الجمركية لأسباب أمنية.
لكن التحدي الذي فرضته الولايات المتحدة على نظام التجارة العالمي يفوق بكثير الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم، والسؤال الحقيقي هو ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على إجبار الاتحاد الأوروبي على الانضمام إليها، وأن يصبح حليفاً في وجه الصين، إن لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل، ففي اليوم الذي أعلن فيه ترامب أن الاتحاد الأوروبي سوف يُعفى مؤقتاً من رسوم الصلب والألمنيوم الجمركية، قرر أيضاً فرض تعريفات على واردات صينية بقيمة 60 مليار دولار أمريكي رداً على سرقة الملكية الفكرية المزعومة، وعلى العجز الأمريكي الحاد والمستمر في التجارة مع الصين.
كيف يجب أن يستجيب الاتحاد الأوروبي؟ حتى الآن أعلن المجلس الأوروبي أنه يواصل دعم النظام التجاري متعدد الأطراف، وأنه يريد من الاتحاد الأوروبي تأمين المزيد من اتفاقيات التجارة الحرة، يأتي ذلك بعد النجاح في إبرام الاتفاقات مع اليابان وكندا، حيث تم تسريع الجدول الزمني لتسوية الصفقة اليابانية رداً على انتخاب الرئيس ترامب، وأعلن المجلس الأوروبي أن الرسوم الجمركية الأمريكية هي رد غير ملائم على المشكلة الحقيقية في إفراط الطاقة الفولاذية، والتي عرض على أساسها الاتحاد الأوروبي التعاون بالفعل مع الولايات المتحدة لإيجاد حلول لها، كما أعلن المجلس الأوروبي أنه مستعد للرد على الإجراءات الأمريكية بالتدابير المضادة المناسبة التي تتماشى مع منظمة التجارة العالمية، وأخيراً أعلن أنه يقدر الشراكة الاستراتيجية، بما في ذلك الأمور الأمنية مع الولايات المتحدة.
لقد كان رد الاتحاد الأوروبي حتى الآن ذكياً، لكنه يظهر أيضاً أنه سيكون من الصعوبة بمكان على الاتحاد الأوروبي الحفاظ على نهج متوسط بين الولايات المتحدة وسوقها الأساسي، وثاني أكبر مورد له، أعني هنا الصين، وأحد الأبعاد التي يجب أخذها في الحسبان هو الأمن، إذ سيكون من الصعب تقويض العلاقات عبر الأطلسي بشكل خطير دون وجود مخاوف كبيرة حول ضمان الأمن الأوروبي.
أما الشرخ الثاني في هذه البنية فهو أن الاتحاد الأوروبي قد أحيط علماً بالإعفاءات المؤقتة التي منحتها الولايات المتحدة له، وترغب في أن تكون دائمة، وعلى هذا النحو، فإن هذا الإعلان الرسمي عن هذه الإعفاءات قد دق بالفعل اسفيناً بين تلك الدول التي تم منحها إعفاءات، والصين التي حصلت على المزيد من التعريفات الجمركية، وعلى وجه الخصوص، تم التعامل مع الاتحاد الأوروبي بشكل مختلف عن الصين بناء على طلبه، وهذا لن يمر دون أن يلاحظه أحد في بكين، كما حصلت كوريا الجنوبية على إعفاءات، وتدرس اليابان إلى أي مدى يمكن أن تذهب في معارضة نهج ترامب، لم يتم الحفاظ على الجبهة الموحدة في اتفاق المناخ، والتي يمكن التمسك بها حول الفولاذ، وتمكن ترامب بمهارة من تقسيم العالم بهذه الإجراءات صغيرة النطاق.
ثالثاً، من المرجح أن تزداد الضغوط السياسية على الاتحاد الأوروبي مع محاولة الصين وغيرها من الدول المتأثرة بالتعريفات الأمريكية إعادة توجيه إمداداتها إلى الاتحاد الأوروبي، ما يزيد من الضغوط التنافسية على الشركات الأوروبية، فهل سيكون الاتحاد الأوروبي قادراً على إبقاء حدوده مفتوحة، أم ستصبح الضغوط عليه كبيرة، بحيث يشعر الاتحاد الأوروبي بأنه مضطر لرفع التعريفات؟.. قد لا تتحقق هذه المخاطر في أي وقت قريب، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى دورة العمل الإيجابي، والطلب المتزايد على الفولاذ، لكن الضغط سيزداد بالتأكيد كلما طالت مدة الرسوم الجمركية.
وبشكل عام، فإن الاتحاد الأوروبي محق في الإصرار على خطته A التي تحاول الحفاظ على النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف، وإعادة كل من الولايات المتحدة والصين إلى التفاوض في جنيف، إلا أن استراتيجية ترامب بدأت بالفعل في القضاء على بنية التجارة العالمية، ولا يوجد لدى الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي سوى اللجوء إلى الخطة B، وما يتعين على الاتحاد الأوروبي القيام به هو التركيز بشكل أكبر على سياساته الاقتصادية المحلية من أجل تقليل اعتماده على التجارة العالمية، لن تكون هذه الاستراتيجية سهلة، ولكن إذا ما نجحنا تدريجياً في زيادة الاستثمارات المحلية، فستصبح اقتصاداتنا أقل عرضة لصدمات التجارة العالمية، وفقط إذا قمنا بتعزيز قدراتنا الأمنية فسنصبح أقل اعتماداً على المظلة الأمنية الأمريكية، وإذا قمنا بتعزيز قدراتنا على الابتكار في المجالات الرقمية العامة مثل الحوسبة السحابية، وشبكات من الجيل الخامس، فسنكون قادرين بشكل واثق على الوقوف في وجه الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
لقد حان الوقت كي يعمل الاتحاد الأوروبي على أكثر من مجرد التمني حول التجارة العالمية، ويجب ألا نقلل من شأن التحدي الهائل الذي يفرضه الرئيس ترامب على رخائنا وأمننا.