ثالوث استدامة الأعمال..؟!
من القضايا العديدة والغاية في أهميتها وضرورتها، التي تحتاج لإعادة ” فرمتة”، لدى تناولنا لموضوع الاستثمار بشكل عام، والمشاريع الاستثمارية المستدامة بشكل خاص، هو أن تكون عملية إعادة البناء والإعمار الاقتصادي الوطني، مجرد إعادة لما كان دون الأخذ ببنى ومتطلبات التطوير والتحديث، التي تُحدث الفوارق الواضحة القادرة على المنافسة في قطاعات الأعمال بكل أوجه نشاطاتها، سواء على الصعيد الإقليمي أو العالمي، ونرتقي بالمحصلة بقطاعاتنا المختلفة، كي تكون قطاعات مستقبلية واعدة متمكنة من الإيفاء بما هو مقبل من آمال وطموحات.
هنا وفي هذه المفصلية الهامة من المفيد أن نسلط الضوء على مفهوم نظام الاستدامة في الأعمال، الذي أصبح يأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام حول العالم وخصوصاً في الآونة الأخيرة.
ومرد هذا التسليط ينطلق مما كلف به رئيس مجلس الوزراء، كلاً من وزير المالية ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، حول عرض موضوع تعزيز الاعتمادات المخصصة لمشروع المساهمة في إنشاء المناطق الصناعية والحرفية في الموازنة الاستثمارية للوزارة المعنية (الإدارة المركزية)، بمبلغ قدره 3 مليارات ليرة من الاعتمادات الاحتياطية لموازنة هذا العام خلال الاجتماع القادم للمجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، وذلك في ضوء حاجة المناطق الجديدة للتمويل، وضرورة تأمين مقاسم للمشاريع الجديدة والمنقولة من المناطق غير الآمنة، وتأمين فرص عمل ودفع عجلة التنمية المحلية في ضوء زيادة تكاليف البنى التحتية في تلك المناطق.
في هذا الشأن نقول: إن تعريف الاستدامة ليس محصوراً فقط في النتائج المالية، كما يتصور البعض وليس مرتكزاً على البيئة كما كان سابقاً، بل هو أشمل من ذلك حسب مصطلح (الخطوط الثلاث النهائية)، الذي يتطلب تحقيق نتائج إيجابية لثلاثة استراتيجيات أو نواحٍ من العمل وهي: الاستدامة الاقتصادية أو المالية، والاستدامة الاجتماعية أو البشرية، والأخيرة الاستدامة البيئية حسب مبتكر هذا المفهوم وهو جون الكنقتون عام 1994.
ما سبق أي القدرة على تحقيق نظام الاستدامة، يقتضي تحقيق نتيجة إيجابية في كل استراتيجية من الثلاث حتى نستطيع أن نطلق على الشركة أو المنشأة لقب منشأة مستدامة.
بالنسبة للاستدامة المالية، لا يمكن تصور منشأة (طبيعية) تستمر بالعمل لفترة طويلة، وهي تحقق نتيجة سلبية (خسارة) في نتائجها المالية، إذ أنه وبدون نتائج مالية واقتصادية إيجابية لن يكون هنالك استمرارية، وهذا يتطلب تحسيناً مستمراً في المنتجات والمبيعات ومراقبة ممتازة على التكاليف ورفع الإنتاجية والكفاءة في المنشأة.
أما الاستدامة الاجتماعية (البشرية): فيندرج تحت هذا المفهوم أو الاستراتيجية أهداف عدة منها العدل والمساواة بين الموظفين، سواء في الرواتب أو المزايا أو المعاملة، التطوير والتدريب، ساعات العمل المقبولة التي تحافظ على وقت مناسب للإنسان مع أسرته، إيجاد بيئة عمل صحية وآمنة وعدم تعريض العاملين إلى مخاطر، إضافة إلى المسؤولية الاجتماعية والمشاركة المجتمعية بالمساعدات والمنح في مجالات تساعد على تنمية المجتمع وتقويته مثل الصحة والتعليم والتدريب وغيرها، وطبعاً يصعب قياس هذه الأهداف بالأرقام لكن هنالك معايير معتمدة تساعد على تحويلها إلى أرقام.
في حين أن استراتيجية الاستدامة البيئية، هي الأكثر شيوعاً عند الحديث عن الاستدامة، كونها تشتمل على كثير من الجوانب المهمة التي تمس أغلب قطاعات الأعمال والشركات خصوصاً في الصناعة و الزراعة، والمنتجات الحيوانية وغيرها الكثير.
قد يتصور البعض أن بعض هذه الاستراتيجيات قد لا تكون مهمة أو أنها ترف، لكن ومع الاتجاه المتزايد نحو تطبيقها حول العالم، سوف تكون واقعاً بالنسبة للشركات عندنا، ولعل ما يعزز هذا اليوم هو وجود هيئات عالمية موثوقة تعطي الشركات شهادة استدامة.
بالختام هذا ما يجب العمل عليه ودعمه، في حدوده المقبولة، فهل نستعد ونتفاعل بشكل تدريجي، لتوطين تلك الاستراتيجيات في شركاتنا عامة، خصوصاً وأننا في سورية نحتاج إلى تطبيق كثير من هذه الجوانب التي تحتاجها فعلاً عملية البناء والإعمار الجديدة..؟.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com