الاحتفاء بـ “ابن النفيس عالماً ومبدعاً”.. عبقري الدورة الدموية
أقيم في مكتبة الأسد بالأمس احتفالية بعنوان “ابن النفيس عالماً ومبدعاً” جاءت بالتعاون بين وزارتي الثقافة والصحة هذه الاحتفالية التي تقام بمناسبة الذكرى العالمية لليونسكو، وابن النفيس هو أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم الخالدي المخزومي الدمشقي المولود في جادة القرشي قرب دمشق عام 1210م.
وبهدف الإضاءة على عطاءات الأعلام والمبدعين السابقين في تاريخ الأمم والشعوب الذين تركوا بصمات مميزة في الحضارة البشرية أطلقت اليونسكو برنامجها حول احتفاليات الذكرى والذي يُحتفل من خلاله كل عامين بذكرى شخصيات بارزة، وعن هذه الاحتفالية تحدث د. نضال الحسن أمين اللجنة الوطنية لليونسكو قائلاً: “هي فرصة ثمينة للالتقاء مع المعنيين والخبراء في الشؤون الثقافية وشؤون التراث والعلم ودورها الحضاري والريادي في مختلف المراحل، حيث تتطلع اليونسكو من خلال هذه الاحتفالية إلى إتاحة فرصة الاستفادة من خبرات ومهارات خبراء وطنيين تميزوا بمعارفهم وبذلوا جهوداً كبيرة لتقديم الأفضل”.
وعن الشق الطبي الذي يخص ابن النفيس أضاء على المحطات التي مربها العلامة د. أحمد خليفاوي معاون وزير الصحة مبتدئاً بالتعريف بابن النفيس قائلاً: “في الثانية والعشرين من عمره اتجه إلى دراسة الطب على يد طبيب العيون مهذب الدين عبد الرحمن الدخوار في البيمارستان النوري في دمشق، ثم انتقل إلى القاهرة عندما استدعاه السلطان الكامل وهو لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، أسس منهج الطب البحثي السريري في البيمارستان الناصري، وعين رئيساً للأطباء وأصبح الطبيب الخاص للظاهر بيبرس، لم يمنعه انشغاله في التدريب وتقديم المشورة العلمية عن التأليف والكتابة”.
وابن النفيس عالم موسوعي اتصفت آراؤه الطبية بالجرأة فقد فند العديد من نظريات ابن سينا وجالينوس وصوبها وتحدث د. خليفاوي عن أهم منجزاته الطبية والتي أصبحت مع الوقت مراجع للأجيال اللاحقة فيقول: “بين ابن النفيس أن للقلب بطينين يفصل بينهما حجاب غير نفوذ، وأن القلب يضخ الدم الواصل إلى البطين الأيمن من سائر أنحاء الجسم إلى الرئتين حيث تقوم بتنقية الدم من أجل الحياة، وبهذا يعد ابن النفيس أول من اكتشف الدورة الدموية الصغرى، وأشار إلى العلاقة بين العيون والمخ والاختلاف بين التخيلات والإبصار، وأن تناول الملح هو السبب الرئيس في ارتفاع التوتر الشرياني، اعتمد في خطط علاجه على تنظيم الغذاء أكثر من إعطاء الأدوية، وكان يفضل الدواء المفرد على الدواء المركب”.
ولتسليط الضوء على شخصية المبدع والمفكر والفيلسوف تحدث د. علي القيم عن الجانب الإبداعي والفلسفي في مؤلفات ابن النفيس” مبتدئاً بمدخل عن الأوضاع التي كانت سائدة في تلك الفترة فالقرن السابع الهجري كان قرن الاضطرابات والفوضى والحروب مع الفرنجة وغيرهم، ويجيب د. القيم على سؤال يطرح نفسه أمام هذا الواقع المضطرب كيف استطاع ابن النفيس وغيره من علماء عصره أن يبدعوا ويقدموا للإنسانية من علوم ومعارف وإبداعات كثيرة لا تعد ولا تحصى، والجواب يأتي بأن الشعوب الحية تتخذ من الكوارث والمصائب سبباً قوياً لبناء المستقبل على أسس جديدة وقوية، وسورية من خلال تاريخها كانت قد تعرضت مئات المرات للغزوات والاحتلال والكوارث وفي كل مرة تعود وتنتصر وتبدع. وعن شخصية ابن النفيس تحدث القيم أنه كان طبيباً وعالماً وفيلسوفاً وفقيهاً وخطيباً تميز بأصالة الرأي واستقلال الفكر واعتماد المنهج التجريبي في إثبات الحقائق العلمية من رصد، ومشاهدة، ومقارنة، وملاحظة، وإجراء للتجارب، كما أنه كان يؤمن بحرية القول وضرورة الاجتهاد، بقيت كتبه تدرس حتى القرن التاسع عشر وله الرسالة الكاملية التي تؤكد على التجريب، وقد كان معروفاً في مصر ومحبوباً من الناس، في الجانب الفقهي والفلسفي، برع في العلوم التي تلقاها عن مشايخه أو طالعها بنفسه فكان إماماً في الطب لا يضاهى، وكان له دور في الفقه وأصوله وكان نابغاً في النحو وله معرفة جيدة في علم المنطق وصنف فيه مختصراً بعنوان شرح الهداية لابن سينا.
هذه نبذة عن أحد المبدعين الذين خلدهم الدهر على صفحاته، وكم من المبدعين المغمورين الذين لم يسعفهم الحظ بأن يظهروا بكامل إبداعهم على صفحات التاريخ حيث مازالوا ينتظرون من يجلي الغبار عن أعمالهم لتنتشر تحت الشمس.
علا أحمد