دراساتصحيفة البعث

المستبد المتغطرس في مملكة الرمال

 

ترجمة: هيفاء علي
عن لو غراند سوار 21/4/2018
يتذرّع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بضرورة وضع الدولة والمجتمع بحالة حرب لمواجهة التحديات الإقليمية من جهة، خاصةً ما تصفه الرياض بـ “التمدد الإيراني” لتبرير العدوان على اليمن، ومن الجهة الأخرى لتنفيذ مشروعه المتعلق بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي “رؤية 2030″، وهي التغييرات نفسها التي تمت بطريقة أكثر سريّة منذ أكثر من عشرة أعوام في الإمارات العربية المتحدة على يد محمد بن زايد، ولي العهد في إمارة أبو ظبي، ومرشد محمد بن سلمان.

مقابل حفنة من الدولارات
يبدو أن السياسة الديغولية الخاصة بالدول العربية باتت جزءاً من الماضي، ذلك أن العلاقات المتينة التي تربط الحكام الفرنسيين ببعض دول الخليج لا علاقة لها بسرية الدفاع، فهي لا تتوقف عن الترسيخ لدرجة أن إمارة قطر الصغيرة وصلت من دون أي جهد إلى التأثير بطريقة قوية على سياسة فرنسا الخارجية في الشرق الأوسط وأفريقيا، كما أن التقارب بين ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بات على أكمل وجه، وحسب بعض المصادر المقربة وضع الأمير السعودي 6 مليارات دولار بتصرف ايمانويل ماكرون لقاء الخدمات التي سيقدمها.
في الأفعال، سرعان ما ردد ماكرون حرفياً المواقف الرسمية للأسرة الحاكمة: لا انسحاب للقوات الأمريكية من سورية، هجوم سياسي مضاد لضمان استمرار الحرب في سورية، دعم سياسي، دبلوماسي وعسكري للتحالف العربي بقيادة الرياض في اليمن، زعزعة استقرار بعض مناطق الساحل الأفريقي، وأن يكون البديل في حال ضعف ترامب الذي تثير مواقفه الحقيقية الحذر الشديد من قبل الرياض والماليين الكبار: لندن وفرانكفورت، ولكن المرور الأخير لمحمد بن سلمان في فرنسا أخفق بخصوص إبرام الاتفاقات.. هكذا عند انتهائه من جولة عالمية طويلة، وصل إلى باريس في 8 نيسان 2018، حيث بدا بصورة المصلح في مجتمع متحجّر، ودبلوماسي متورط في بعض المغامرات الخارجية المحفوفة بالمخاطر. يقود بلاده بيد حديدية، ويريد أن يكون الضامن لاستقرار المملكة، هو المصلح في الداخل والمحافظ في الخارج “حرب ضروس ضد إيران عبر اليمن وتوتر مع قطر..” حتى إنه أعلن حق “إسرائيل” في العيش لتقوية الحلف الثلاثي، الولايات المتحدة -إسرائيل- والسعودية ضد إيران. جاء إلى السعودية كمندوب عن التجارة يبيع “مشروعه الانفتاحي”، وثمة من أخبره أن ماكرون سيقوم بزيارة السعودية في نهاية العام لإبرام اتفاقات مع ممالك الخليج النفطية.

دفتر شيكات كبير
إنه شخص ينافس على زعامة الشرق الأوسط، يحتمي بالمظلة الأمريكية عندما يظهر قدرته على الإزعاج ظناً منه أن كل شيء يُشترى بالمال في الغرب، فأثناء حديث أدلى به الأمير السعودي لمجلة “ذا اتلنتيك” الأمريكية، بلغ درجة الوقاحة بتهجمه على القيادات الإيرانية.. بأي حق يتهم إيران؟ إيران لم تغزو بولونيا ولا أية دولة أخرى منذ عام 1785.. بالمقابل قامت السعودية وحلفاؤها عام 2015 بشن عدوان جائر ومدمر على اليمن، كما أنها متورطة في الحرب على سورية حتى النخاع بدعمها إرهابيي “جيش الإسلام” بالسلاح والمال والمرتزقة.
من يقرأ مقابلته مع مجلة “ذا اتلنتيك”، لابد أن يستخلص النقاط التالية: لم يتوجه محمد بن سلمان في هذه المقابلة إلى الشعب السعودي، وإنما إلى صنّاع القرار والمشرّعين في الدولة العميقة، ظهر لهم مع وجهة نظره وسياساته المستقبلية كحليف استراتيجي جدير بالثقة. حليف يسعى للحصول على “الضوء الأخضر” الذي يدعم تتويجه المقبل للمملكة الذي سيتم بعد أسابيع عدة من جولته هذه. اعترف للمرة الأولى منذ بداية الصراع العربي- الإسرائيلي، بحق اليهود ببناء دولتهم على “الأرض الموعودة”، حتى إن دنيس روس، المسؤول عن المفاوضات بين العرب و “الإسرائيليين” في عدة إدارات أمريكية، صرح بأن اعترافه هذا هو أول اعتراف عربي بالحقوق التاريخية لليهود. ثانياً لم يوجه انتقاداً واحداً لـ “إسرائيل” أثناء المقابلة، أو على هامشها، بل أثنى عليها، ومدحها بطريقة غير مباشرة عندما قال: إن “إسرائيل” تمتلك اقتصاداً كبيراً قياساً إلى وضعها وحجمها الجغرافي. ثالثاً لم ينطق ولا مرة كلمة “دولة فلسطينية”، ولم يشر إلى أن القدس المحتلة عاصمتها، بل اكتفى بالحديث عن حق الفلسطينيين و”الإسرائيليين” بالتصرف بالأرض. رابعاً أعرب عن قلقه الديني إزاء مسجد الأقصى في القدس، وتكلّم عن حق الشعب الفلسطيني دون تحديده. خامساً قسّم الشرق الأوسط إلى معسكرين: معسكر الأشرار الذي يضم محور المقاومة، ومعسكر المعتدلين الذي يضم الأردن، مصر، الإمارات، البحرين، سلطنة عمان، الكويت واليمن إلى جانب السعودية. سادساً، نفى وجود الوهابية في المملكة. سابعاً نفى وجود أي دعم سعودي مالي للإرهابيين والتنظيمات المتطرفة، لكنه اعترف أن بعض الشخصيات السعودية موّلت بعض تلك المجموعات دون أن يذكر الأسماء. ثامناً رفض الرد على الأسئلة المتعلقة بحملة مكافحة الفساد، أو المتعلقة بثروته، أو بشرائه يختاً بقيمة 500 مليون دولار، معتبراً هذا الأمر شخصياً بحتاً، قائلاً: أنا رجل ثري، ولست مانديللا أو غاندي. تاسعاً حافظ على هجومه الشرس والمعهود ضد إيران.
من خلال هذه النقاط وإجابات المغامر السعودي عليها، يستنتج المرء أنه يفكر بتحالف مع “إسرائيل” في المستقبل في إطار “محور المعتدلين” المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، كما يريد أن يجعل من “إسرائيل” شريكاً تجارياً وتوطيد المصالح المشتركة بين البلدين في إطار سلام عادل دون التطرق إلى مبادرة السلام العربية وشروطها.
وبمباركة السعودية، يتعين على العرب تطبيع علاقاتهم مع “إسرائيل”- وفق ما نصت عليه مبادرة الملك فيصل لعام 2002 التي “تفضّلت” على الفلسطينيين، وتركت لهم مكاناً صغيراً مع عاصمة لهم في ضواحي القدس. زد على ذلك، أن معظم الدول العربية، دول الخليج على وجه الخصوص، التي تبدي تضامنها مع الفلسطينيين، لا تشكل “إسرائيل” بنظرها أية مشكلة لها، كما يؤكد على هذا الأمر تحليل مقرب لـ “إسرائيل” نشر قبل أيام في صحيفة الرياض السعودية، ثمة لوبي سعودي مؤيد لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” بأسرع وقت، أشار إلى أنه يجري العمل على تنفيذه حالياً، والكاتب السعودي وصف هذا التطبيع بالضروري.

صورة السعودية الملطخة
يبدو أن شهر العسل بين “إسرائيل” والسعودية لم ينته بعد، بل مستمر بدليل إجراء تنسيق وتعاون بينهما على أعلى مستوى وفي وضح النهار، إذ التقى رئيس الاستخبارات “الإسرائيلي”، والمؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” التي قررت فجأةً كشف النقاب عن هذا اللقاء. حقيقةً هذا الخبر لم يفاجئ أحداً، لأن السعودية و”إسرائيل” عملتا على تهيئة الرأي العام تدريجياً، تبقى معرفة كيف يستجيب اغتيال وقتل الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل قضيته لمصالح مملكة آل سعود المفروض أنها رمز العروبة والإسلام على الصعيدين التاريخي والجغرافي.
تاريخياً، لطالما كانت صورة السعودية سيئة في الغرب، وتدهورت أكثر فأكثر عقب هجمات الحادي عشر من أيلول وتورط السعوديين فيها، إلا أن الأمور تغيّرت عام 2017: تلطخ صورة السعودية ازداد بطريقة مخيفة، حيث بدأ مع انتقادات المدافعين عن حقوق الإنسان إزاء عدد ضحايا العدوان السعودي على اليمن، الذي تقوده السعودية باسم” التحالف العربي”، وكذلك انتقاداتهم اللاذعة على شبكات التواصل الاجتماعي تضاعفت إزاء دور السعودية المشبوه حول القدس ومسجد الأقصى، ويعتبر خبراء الاتصالات أن الرياض تحاول بيع صورتها للرأي العام، ووسائل الإعلام الغربية من خلال دراسة السوق، واستغلال الملفات المالية والسياسية.
من جهتهم يهدد سفراء السعودية في الدول العربية الشعوب، ويتوعدونهم بالرد في الوقت المناسب، وعليه تزداد صورة مملكة آل سعود سوءاً وتلطيخاً يوماً بعد يوم بنظر المواطن العربي قبل الأجنبي.. اليمنيون والفلسطينيون يموتون، والعرب آخر من يفكر بدعمهم، والوقوف إلى جانبهم .. مملكة الرمال لا مستقبل لها أمام بلدان العلم والتكنولوجيا، وإذا ما فقد البترول قيمته في نموذج الطاقة المستقبلية، فإن السعوديين والقطريين وكل مشيخات الخليج سيعودون إلى الجمل والخيمة، لأنهم لم يؤسسوا لشيء دائم ولا ينضب، لابد من التذكير بأنه في فترة العشرينيات من القرن الماضي، عندما لم يكن قد تم اكتشاف النفط بعد، اشتكى الملك عبد العزيز بن سعود لفرنسا، وطلب منها منع الجزائريين من المساهمة أو تمويل ومساعدة الفقراء في المدينة المنورة.. بعد ذلك بقليل وفيما كان ينتظر من الخبراء الانكليز أن يحملوا إليه خبر اكتشاف الماء في الصحراء.. كان هؤلاء ينقبون عن النفط قبل التنقيب عن الماء.