تساؤلات عن وقائع الحماية والتحصين المجتمع السوري في مواجهة منتجات “التكنولوجيا الغادرة”..
تمتعت سورية عبر سنوات عديدة بحالة الديمومة للأمن والأمان والاستقرار الاجتماعي، فلم نشهد خلال تلك السنوات ظواهر اجتماعية تتنافى مع أدبيات مجتمعنا، حيث كان هناك دور كبير للأسرة، والمدرسة، وحتى الجامعات السورية في نشر الوعي الاجتماعي، والمحافظة على أخلاقنا وعاداتنا السليمة، ويتجلى الدور الأكبر لتلك المؤسسات في مواجهة موجات العولمة التي استطاعت أن تطيح بأعظم المجتمعات في العالم، حيث سببت لها انهياراً أخلاقياً لم تعد هناك جدوى من استدراكه، فطبيعة الحياة في مجتمعاتنا سمحت بقيام دور الأهل في تنظيم حياة أبنائهم، وتحييدهم عن صرعات العصر، وبعض فذلكاته التي تعتبر لدى البعض حداثة، مع الحفاظ على حيز الحرية التي لا تسيء للفرد ولا للمجتمع، ففي العالم الغربي لم يعد هناك فاصل بين حرية الفرد ومسؤوليته أمام حياته ومجتمعه، حيث ينساق الأفراد خلف الأفكار “الغبية” الخارجة عن كل عرف وقيد.
سلوكيات
أثرت بعض موجات العولمة في وقتنا الراهن على سلوك العديد من الشباب في مجتمعنا، وتجلى ذلك من خلال لباسهم واستخدامهم للاكسسوارات الغريبة، وحتى قصات الشعر، وغيرها من الصرعات، وهنا يؤكد الطبيب النفسي علي عبود بأننا لم نعد نستطيع التعويل على تماسك المجتمع، ودور الأسرة، وخاصة بعد المعاناة الكبيرة الناتجة جراء التهجير الذي تسبب بتفكك الأسرة السورية، فمعظم الشباب في مجتمعاتنا يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي لبناء شخصياتهم من خلال التقليد الأعمى لنجوم السينما والغناء العالميين الذين تروّج لهم تلك المواقع، وتغيب عن ذهنهم خلفية أولئك النجوم الذين يعتمدون على رموز وأفعال تسعى لتدمير الأخلاق، والابتعاد عن مفاهيم الخير والإنسانية، ويضيف عبود: بدأنا نشاهد بعض المظاهر غير اللائقة في الحدائق والشوارع العامة تنافي مبادئنا وتقاليدنا، وبعض تلك الأفعال منافية تماماً للأخلاق، وهذا جانب هام يجب الانتباه له كثيراً في هذه المرحلة، لأنها تؤثر بشكل كبير على جيل بأكمله، ويزداد الأمر سوءاً في غياب دور العائلة والمدرسة.
رسائل
للحرية الشخصية مفهوم أكبر بكثير مما يعتقده البعض، فما يُرى في وسائل الإعلام لا يعبّر مطلقاً عن حقيقة هذا المفهوم، ويسعفنا التماسك الأسري في مجتمعاتنا لتوجيه الأبناء للمفهوم الأساسي لمعنى الحرية التي لا تتعارض مع المبادئ والأخلاق العامة للمجتمع، ولا تتعدى على حرية الآخر، وهنا تؤكد الاختصاصية في العلوم الإنسانية والاجتماعية منال وضاح تشوه مفهوم الحرية الشخصية الناتجة عن فوضى العولمة، وانتشار الثقافة الأمريكية في كل أصقاع الأرض عبر الشبكة العنكبوتية التي تبث رسائل مختلفة للشباب، والتأثير على عقولهم وأفكارهم، إذ لا يمكن تقويضها بسهولة أو حتى مراقبتها، وهي قادرة أن تحرك عقول الشباب والأجيال نحو نموذج مشترك، الهدف منه تحطيم المجتمعات، والترويج لسلوكيات تؤدي فيما بعد لاستهلاك منتجات مختلفة من أفكار وغيرها لتعود بالنفع على الدول المتغطرسة التي تسعى للسيطرة على العالم، فهناك شواهد عديدة لتلك المنتجات الفكرية والسلعية التي بتنا نراها كسلوك مشترك بين كل أفراد العالم.
مراهقة
أخطار ما يمكن أن يتعرّض له أي مجتمع هو الانهيار الأخلاقي، ولكن ببساطة هذا المصطلح يحمل أوجهاً عديدة، ويعتمد على أساليب مختلفة قد تبدو طبيعية في المراحل الأولى، ولكن مع مرور الوقت تكون النتائج غير مرضية، وهنا تضيف وضاح بأن الشباب في سن المراهقة لا يجدون مشكلة في ارتداء الملابس التي تحمل بعض الرسومات الغريبة كالجمجمة، أو غيرها، ولا ينتبهون كثيراً للاكسسوارات التي تحمل بعض الرموز كالثور، والنجمة السداسية، وبعض الأشكال التي تعبّر عن فكر تلمودي متعصب، وبالنتيجة فإنهم يمارسون ثقافة لا تتناسب مع أخلاقنا الإنسانية، وهي بالنسبة لهم مواكبة لمجموعة من الفنانين المعجبين بهم، لذلك لابد من إيجاد أساليب تربوية تسمح بتوضيح وشرح كل ما يتعرّض له أبناؤنا من مؤثرات عولمية سلبية.
توعية
أصبح اختراق أي مجتمع سهلاً جداً عن طريق الأنترنت وبرامج التواصل التي تسمح بالعبث بأفكار وعادات المجتمع، لذلك فإن الحد من التأثير السلبي لتلك البرامج يعتبر عاملاً هاماً للوقوف أمام السيل الجارف للقيم الاجتماعية، وأخلاق جيل بأكمله، ويرى اختصاصي البرمجة الالكترونية محمد الدقائق أنه لا يمكن بسهولة العمل على التنظيم والسيطرة على هذه البرامج إلا من خلال عمل الأسرة، وضبطها لنوع برامج التواصل التي يتابعها الأبناء من خلال حجب الكثير منها، والاعتماد على البرامج التي تقدم الفائدة والمعرفة للأبناء، بالإضافة إلى تحديد ساعات الجلوس أمام أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، والابتعاد عن العالم الافتراضي الذي تحول إلى جزء من حياتنا اليومية، كما يتجلى دور الأسرة في تقديم التوعية للأبناء، وتوضيح ماهية الأفكار التي يحصلون عليها من خلال تلك الأجهزة، فمعظمها يقدم معلومات ليست دقيقة تماماً، ومنها ما يعمل على تحريف الحقائق وتشويهها، وهذا ما نراه في قنوات الانستغرام واليوتيوب، ويؤكد الدقائق أنه في مرحلة المراهقة يكون الإنسان أكثر تأثراً فيما يراه، ويصعب عليه تمييز الحقيقة، لذلك فهو يتلقى المعلومة على أنها صحيحة تماماً، وغير قابلة للتكذيب أو النقد، ولكن يمكن من خلال توضيح تلك المعلومات من قبل الأهل، وإنشاء حوار حول ما يشاهدونه، خلق وجهة نظر جديدة لهم، وبالتالي تعليمهم على عدم التسليم للأفكار التي يتلقونها، والاعتماد على التحليل والنقد قبل تبني أية فكرة مدسوسة لهم.
دور المجتمع
يبدو أن أكثر المتأثرين بالعولمة السلبية للشبكة العنكبوتية هم من جيل الشباب المراهق، وهم أكثر شريحة في المجتمع يمكن التلاعب بها وأخذها إلى عوالم بعيدة عن الواقع، وعن المجتمع الذي يعيشونه، ما يتسبب بعدم تقبّلهم لعائلاتهم ومجتمعهم، حيث لا يجدون القبول لما أخذوه من تلك الشبكة، ويتحول ذلك بحسب العديد من الاختصاصيين الاجتماعيين إلى شرخ حقيقي يفصل بين هذه الشريحة ومجتمعهم الرافض لتلك الأفكار التي لا تتناسب مع أدبياته وأخلاقه، ولا يمكن للعنف أو القسوة حل تلك المشكلة، أي إبعادهم بشكل تعسفي عن تلك البرامج والمواقع الالكترونية، لأنها ستعطي نتائج أكثر ضرراً لهم، لذلك فإن اللجوء إلى نشر الوعي بين الشباب، وعدم التلقي السلبي لما يرونه، يبقى الحل الأمثل، ولا يمكن أن ننسى أن النشاطات الاجتماعية لجيل الشباب وتكثيفها كالرحلات الاستكشافية، والأعمال التطوعية، والمعسكرات المدرسية، تلعب دوراً هاماً في زرع مفاهيم أخلاقية وإنسانية لديهم.
ميادة حسن