النـــادي الســـينمائي يحتــفي بفيــلم “الآبــاء الصغـــار”
احتفى النادي السينمائي –مؤسسة أحفاد عشتار برئاسة د. أيسر ميداني وبالتعاون مع وزارة الثقافة –سينما الكندي- بعرض ومناقشة فيلم “الآباء الصغار” بحضور الفنانين دريد لحام وسلمى المصري والصغار الذين يتابعون الآن دراستهم الجامعية.
ورغم مرور اثنتي عشرة سنة على إنتاج الفيلم سيناريو وحوار وإخراج دريد لحام- إلا أننا مازلنا نعيش بعض القضايا الاجتماعية التي أثارها الفيلم، وإن أخذت أبعاداً أكثر قسوة في زمن الحرب، فعبْر حكاية بسيطة بُنيت على الحب والتضحية نوّه لحام بفنية غير مباشرة إلى الكثير من القيم النبيلة التي يجب أن نتمسك بها، وأهمها البناء الصحيح للأسرة كونها الخلية الأساسية في المجتمع.
ومن خلال سلوكيات الصغار الذين تعاونوا بعد وفاة والدتهم –سلمى المصري- لمتابعة حياتهم وأخذت الأخت الكبيرة دور الأم كما وصفها لحام”أصغر أم في التاريخ” تغلغل بحيثيات المجتمع ليلقي الضوء على التسول وعمالة الأطفال والتسرب من المدرسة لإعالة الأسرة والراتب المعيشي الهزيل الذي لايكفي نفقات العائلة، إلا أن القضية الهامة التي أثارها لحام هي عدم توريث راتب الزوجة وانقطاعه بعد وفاتها مما يحدث شرخاً اقتصادياً في حياة العائلة، إضافة إلى الخسارة الكبيرة للأم، وجدت طريقها إلى الحل بعد أن عدّل القانون السوري هذه المادة وأصبح راتب الزوجة يورث، مما يؤكد على دور السينما الهادف في حياتنا.
وبدخول شخصية حنان الترك القادمة من مصر لتقديم دراسة في دمشق عن حماية الآثار والتي تستأجر غرفة في منزل العائلة، انتقل لحام في فيلمه إلى تصوير مدينة دمشق بتناغم صوت الآذان مع أجراس الكنيسة، لتنتقل الكاميرا إلى أحياء دمشق القديمة وتتوقف في حيّ القنوات التي كانت توصل مياه بردى إلى المنازل إلى آثار دمشق المتأصلة بالقدم والحضارات المتعاقبة، ومن خلال علاقتها بالأسرة يتطرق إلى الاختلاف باللهجات والمفردات وإلى التقارب العربي بين سورية ومصر بكثير من الجماليات المشتركة.
تقنيات الدمج والاسترجاع
وينتهي الفيلم بحصول الأب على الشهادة في مشهد مؤثر، حينما وجه لحام شكره إلى أولاده، والذي حمل رسالته إلى أطفال سورية بوعيهم وتمسكهم بالقيم والأخلاقيات تجاه أسرهم ووطنهم.
اللافت في الفيلم هو الأداء الإنساني المبهر للفنان دريد لحام الذي اشتُهر بالكوميديا وبشخصية غوار الطوشة، مع الأداء الرائع للصغار الذي اتسم بالتقائية والعفوية معتمداً لحام في أسلوبه الإخراجي على تقنية المونتاج بالدمج بين الحاضر والفلاش باك في العودة إلى الماضي واسترجاع الأحداث بوجود الأم، وعلى البساطة بحركة الكاميرا واللقطات الطويلة أحياناً، وزاد من جمال الفيلم الوقفات الاستعراضية الغنائية الراقصة للفنانة حنان الترك لاسيما أغنية”لو حبيت أوعى تخبي”، التي وظّفها لحام لتخدم الفيلم درامياً، مترافقة مع موسيقا سمير كويفاتي.
أطفال أحبوا الكاميرا
وقد أشاد جمهور النادي برسالة الفيلم الهادفة وكان السؤال حول كيفية تعامله مع الأطفال الأربعة الذين وقفوا أمامه وأمام الكاميرا؟ فكانت إجابة لحام مفاجئة حينما قال إن هذا السؤال وجه إليّ في المهرجانات العالمية، وأجابتهم بأن هؤلاء الأطفال لم يتعلموا بمعاهد التمثيل وإنما أحبوا الموضوع وترك لهم حرية الحركة أمام الكاميرا.
الثنائية الفنية جمعت بين الفنان دريد لحام والفنانة سلمى المصري بأفلام وأعمال كثيرة، فأوضح لحام بأن الفنانة سلمى المصري ذات إحساس فائق، وتملك قدرات كبيرة لامتلاك مفاتيح الشخصية إضافة إلى سماتها الخلقية الرائعة، والتزامها وتواضعها ووصفها بأنها فنانة راقية غير متطلبة، عكس ممثلات اليوم.
الممثلة لولوة القادري التي جسدت دور غزل والتي كانت طفلة أصبحت اليوم طالبة في السنة الثانية بكلية الطب البشري، والتي جسدت دورها بأسلوب كوميدي وبعفوية لافتة، تحدثت عن علاقتها الدافئة بالفنان دريد لحام كأب وبأنها بقيت على تواصل مع أخوتها بالفيلم وكانت تشعر أثناء التصوير بأنها فعلاً ابنته.
الممثل براء طرقجي الذي مثل دور معن الذي يبيع الورد يدرس الآن في المعهد العالي للفنون المسرحية- السنة الثالثة، بيّن بأنه لم يدخل قسم التمثيل لأنه وجد نفسه في عالم التجريب والإخراج فدرس بقسم التقنيات المسرحية، وأشار أن مشاركته في الفيلم كانت علامة فارقة في حياته.
التنمية الاجتماعية
وتحدثت الفنانة سلمى المصري عن المشاعر الإنسانية التي يحملها الفيلم بأبعاده بالبساطة بالتعبير بين الأطفال، إذ عبّر عن أسرة متماسكة رغم غياب الأم، وعن الإرادة والتصميم على الوصول إلى حياة أفضل. فبالحبّ نحقق المستحيل، ووجهت رسالتها إلى الجمهور السوري من خلال النادي السينمائي بأن تكون جميع الأسر متحابة ومتماسكة، لاسيما في هذا الوقت الذي نعيشه والذي نحتاج فيه إلى بناء جيل وتنمية اجتماعية للأطفال الذين عانوا من الحرب والذين ولدوا في زمن الحرب.
وأشار الفنان دريد لحام إلى أن مقولة الفيلم تختزل بفكرة أن العائلة المتماسكة تستطيع أن تحقق أحلامها بالإرادة والتصميم، ووجه رسالته إلى أطفال سورية بأن يكونوا قادرين على مواجهة الأوضاع الصعبة ويدركوا تماماً حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، لاسيما أنهم جيل الغد.
ملده شويكاني