امبرياليو أمريكا الاستبداديون
فرنسيس بويل/ موقع: كونسيرتيوم نيوز
ترجمة: سمر سامي السمارة
تاريخياً، يشبه الثوران الأخير للنزعة العسكرية الأمريكية في القرن الواحد والعشرين ما حدث في أمريكا في بداية القرن العشرين أثناء الحرب الإسبانية الأمريكية التي حرضت عليها الولايات المتحدة عام 1898.
في تلك الآونة، استولت إدارة الرئيس الجمهوري ويليام ماكينلي على امبراطوريتها الاستعمارية من إسبانيا في كوبا وبورتوريكو وكوام والفلبين، متسببة بحرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلبيني، في الوقت الذي ضمت فيه مملكة هاواي بشكل غير شرعي وأخضعت سكانها الأصليين لظروف الإبادة الجماعية. إضافة إلى أن الهدف من توسع ماكينلي العسكري والاستعماري في المحيط الهادئ كان أيضاً لضمان استغلال الولايات المتحدة الاقتصادي للصين وفقاً للشعار اللطيف بإتباع سياسة “الباب المفتوح”. لكن على مدى العقود الأربعة القادمة، مهد وجود الولايات المتحدة وسياساتها وممارساتها العدوانية في “المحيط الهادئ” الطريق بشكل محتوم لهجوم اليابان على بيرل هاربور في السابع من شهر كانون الأول عام 1941.
واليوم بعد مرور قرن من الزمان، من الاعتداءات الامبريالية المتتابعة، التي شنها المحافظون في إدارة جورج بوش الابن، ومن بعدهم المحافظون الديمقراطيون الجدد في إدارة أوباما، تهدد إدارة ترامب الرجعية بشن حرب عالمية ثالثة.
الرهانات أعلى هذه المرة
باستغلال فاضح لمأساة الحادي عشر من أيلول، عزمت إدارة بوش الابن على سرقة امبراطورية النفط والغاز من الدول الإسلامية والشعوب الملوّنة التي تعيش في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا بذرائع زائفة تتمثل بـمحاربة الإرهاب الدولي، أو الأصولية الإسلامية، أو نزع أسلحة الدمار الشامل، أو تعزيز الديمقراطية، أو التدخل الإنساني المزعوم وشعار “مسؤولية الحماية”.
لكن في هذه المرة، فإن المصالح الجيوسياسية أكبر بكثير مما كانت عليه قبل قرن من الزمان: فالسيطرة والهيمنة على موارد النفط والغاز في العالم، هي تالياً السيطرة على أساسيات ومحفزات النظام الاقتصادي العالمي – النفط والغاز.
كانت إدارتا بوش الابن وأوباما قد استهدفتا احتياطيات النفط والغاز المتبقية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية (على سبيل المثال، إعادة تنشيط البنتاغون للأسطول الرابع في عام 2008) وجنوب شرق آسيا لتحقيق المزيد من الاستيلاء والسيطرة، بالإضافة إلى نقاط الاختناق الاستراتيجية في البحر وعلى الأرض اللازمة لنقلهم (مثل سورية واليمن والصومال وجيبوتي). واليوم يهدد الأسطول الأمريكي الرابع فنزويلا الغنية بالنفط والإكوادور، إلى جانب كوبا.
وبغية تحقيق الهدف الأول، أعلن المحافظون في إدارة جورج بوش الابن في عام 2007 عن إنشاء القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) لإحكام السيطرة الأمريكية وسرقة واستغلال الموارد الطبيعية والشعوب الأفريقية المتنوعة، مهد الجنس البشري.
وفي عام 2011 كانت ليبيا والليبيون أول ضحايا الخضوع لأفريكوم في ظل إدارة أوباما النيوليبرالية، ما يدل على الطبيعة الحزبية وغير الحزبية الحقيقية في صناعة القرارات السياسة الخارجية الأمريكية الامبريالية. ولندع جانباً الفتح الأمريكي والإبادة، والتطهير العرقي للأميركيين الأصليين من القارة باعتباره خارج نطاق هذه المادة.
منذ تحريض أمريكا على الحرب الإسبانية الأمريكية في عام 1898، أمسك الامبرياليون الرجعيون المحافظون بقرار السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مدى الـ 120 عامًا الماضية. وترامب لا يتعدى كونه ممثلاً آخراً للامبريالية الأمريكية والرأسمالية الليبرالية الجديدة، وقد اعترف صراحة وبكل فخر بأن وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لسرقة النفط – وهو على الأقل كان صادقًا في ذلك – على عكس أسلافه الذين كذبوا حول هذه القضية, وفي الآونة الأخيرة، هدد ترامب علناً بالتدخل العسكري غير القانوني للولايات المتحدة ضد فنزويلا الغنية بالنفط ، وضرب سورية..
الأمر يتعلق بالسلطة، وليس مجرد موارد
النفط والموارد الأخرى ليست الدوافع الوحيدة، ذلك أن فرض الولايات المتحدة لسلطتها العالمية وتقويض أو إقصاء القادة الذين يتحدونها يلعب دوراً كبيراً أيضاً. وكما قال معلمي وصديقي البروفسور الراحل هانز مور غنثاو، الذي صاغ مصطلح “الامبريالية الاستبدادية” في نقده الهام للسياسة الخارجية الأمريكية عام 1948 في كتابه “السياسة بين الأمم”: “تعتبر السياسات التوسعية للاسكندر الأكبر، ونابليون الأول وهتلر أمثلة تاريخية بارزة للامبريالية الاستبدادية. يجمع هذه السياسات دافع التوسع الذي لا يعرف حدودا عقلانية، ويتغذى على ما حققه من نجاحات خاصة، وإذا لم توقفه قوة عليا سيتجاوز حدود العالم السياسي، ولن يحقق هذا الدافع ما يرتقب طالما بقي في أي مكان هدف يمكن السيطرة عليه.
منذ الحادي عشر من أيلول عام 2001، والامبرياليون المستبدون على غرار الاسكندر ونابليون وهتلر هم المسؤولون الذين يُعهد إليهم صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية. إن الظروف الواقعية التي أدت لإندلاع الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية تحوم في الوقت الراهن فوق رؤوس البشر.