خردة ذكية يسمونها الجيــــش الأمريكـــي
هو الهدوء الذي يسبق عاصفة “الأخطاء” والارتجالات الكبرى وردود الفعل الخارجة عن السيطرة، أو الهدوء الذي يحمل معه الإذعان والقبول والاعتراف المرغم بالواقع الاستراتيجي الجديد.. في جميع الأحوال هو الهدوء المخادع والكاذب والمغري، والمدمر، والذي عادة ما يهز، ودون سابق إنذار، معادلات قديمة وبالية تحولت، خلسة، وبفعل عوامل القوة الصاعدة، إلى أوهام وترهات وأساطير لا علاقة لها بالحاضر في شيء. على هذا النحو، تتحول نهايات الحرب على سورية – كما نشهد وقائعها وارتداداتها كل يوم – إلى مرجل هائل لتطور نمط مختلف من العلاقات والتفاعلات الديموغرافية والمجتمعية وولادة نظام عالمي جديد. تتلاقى وتتقاطع التحالفات – إقليمياً وقارياً، تتفكك وتتضارب، ولكن الحرب على سورية، وما انطوت – وتنطوي – عليه من نتائج وتداعيات، سياسية وأمنية وإنسانية خاصةً، تبقى الجذر الذي سيغذي التحولات العملاقة التي تنتظر عالمنا للحقبة المقبلة، وهو الذي سيمد هذه التحولات بالطاقة الضرورية للاستمرار والنمو. وعلى هذا النحو أيضاً، يمكن متابعة وقائع الاندفاع والتفاؤل ومن ثم المراوحة في الجمود، وحقائق التقدم السريع قبل العودة المرتجلة والتراجع العشوائي.. ينطبق ذلك على التطورات اليومية للأوضاع في سورية، وعلى العلاقات بين القوى الكبرى ذاتها، وداخل حلف الناتو، وبين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبين ضفتي الأطلسي، كما ينطبق أيضاً على الاتفاق النووي الإيراني وملف التجارة العالمية والتحالفات والعداوات المتقلبة في الشرق الأوسط، بما في ذلك العلاقات العربية – العربية، والصراع العربي الإسرائيلي.
هكذا.. يدرك كثيرون أنه موسم الخسارات المعممة والهروب الجماعي، وأن التوازنات الإقليمية والدولية تدخل مرحلة مختلفة، بل هي دخلتها فعلياً، وأن من المهم استباق الزمن للحصول على بطاقة تعفي، على الأقل، من الجلوس على مقاعد المهزومين. غادر ولي العهد السعودي الولايات المتحدة الأمريكية في ختام زيارة استغرقت ثلاثة أسابيع، مقدماً الضمانات المطلوبة للحصول على العرش، ووصل الرئيس الفرنسي إلى العاصمة واشنطن أملاً بالحلول محل بريطانيا والجلوس في “حضرة” ترامب كمتحدث باسم الأوروبيين. يتحدث الجميع عن الوضع في سورية مدركين أن الانتصار السوري الكامل بات حقيقة واقعة هي أقرب إلى المحطة النهائية، وأن ما تبقى لا يعدو كونه مسافة طريق. كل ما بوسعهم القيام به هو مفاوضة ترامب على عدم الانسحاب السريع من سورية فيما هو لا يستعجل إلا البيع والشراء في الخردة التي يسمونها الجيش الأمريكي “الجميل والجديد والذكي”، وهم معنيون بعدم الانسحاب من سورية لأنهم يستشعرون أنه هاهنا مفترق الطرق الذي ستتقرر من بعده مصائر ممالك ومشايخ النفط، ومعها سياسات التبعية والاستتباع، وشراء الولاءات الداخلية والحمايات الخارجية واستدعاء التدخل الأجنبي في شؤون المنطقة، عدا عن اللعب على بذر الفوضى وإذكاء مشاعر الكراهية والتحريض على التطرف واستخدام العنف.
يحجون إلى ترامب الذي يدرك في قرارة نفسه أن النيران موشكة على الاشتعال في الثوب الأمريكي.. ويحاولون اقتطاع مربع هنا ومربع هناك، في لعبة شطرنج شبه منتهية ومحسومة النتيجة. لقد فات الوقت كثيراً على محاولات إعادة لملمة صفوف العدوان، وكل ما يستطيعونه هو المناورة العبثية والتأخير المجاني. بل وباتت أية خطوة غير مدروسة بدقة محفوفة بأشد التداعيات سلبية، بما في ذلك الجرأة على التفكير بمعاودة الاعتداء على سورية، أو الاستخفاف بعواقب التنصل الأحادي الجانب من الاتفاق النووي مع إيران، أو ارتكاب الخطأ الفادح والشنيع الذي يقود إلى التحرش بروسيا بوتين، ولن نقول بخداعها – كما يمكن لأحمق مثل أردوغان أن يقع تحت تأثير تفكيره الضحل وسذاجته الاستراتيجية.
إنه الهدوء الذي سيبقى هدوءاً إلى أن يرتكب أحدهم – أو يرتكبون معاً – تلك الخطيئة التي تزين لهم أن إرسال موجة جديدة من المرتزقة إلى سورية يمكن لها – مثلاً – أن تقلب الموازين، أو أن تجدد الأمل بإعادة التفاوض حيال مستقبل الإرهاب والإرهابيين- كل الإرهابيين ولو كانوا “شرق الفرات” كما يرددون – أو حتى إعادة “تزخيم” جنيف وفق قراءاتهم بحيث يحصّلون بالسياسة ما عجزوا عن تحصيله بالحرب.
ولكنه الهدوء الذي سينفجر، هذه المرة، في وجه من يرفض استيعاب الدروس السورية.
بسام هاشم