طباعـــة الوهــــم
تمّام علي بركات
انضمت مؤخرا إلى المكتبة العربية التي تحوي الغث والسمين، عبر مراحل تشكلها خلال قرون ودهور طويلة، مجموعة كبيرة من الكتب التي تحمل صفة “شعرية” وهي حتى ليست موجودة بشكل كتاب ورقي، طُبع على أوراقه المفترضة، أي شيء،وما من وجود للكتابة بأحرفها أيا تكن على أوراقه المفترضة أيضا، والأهم أنها طُبعت بدور نشر –كما تدعي افتراضيا طبعا- توجد في قارات ودول أخرى، وهي –أي تلك الدور المعنية بالنشر اللامرئي-لا وجود فعلي إلا لشبح اسمها، وبضعة من لوازم الشغل الشعري، ومنها: صفحة إعلانية على الفيس بوك فيها الكثير من المشاريع الشعرية والفكرية والثقافية والسياسية، التي سوف تصدر.
عدة صور موحية، لكل من أنسي الحاج ومحمد الماغوط وأدونيس ومحمود درويش وغيرهم؛ وفي السنوات الأخيرة، ظهر الكثير من تلك الكتب الوهمية، التي تبادل الشاعر-ة، الإعجاب بها مع أحد ما على الضفة الأخرى لـ “الفيس بوك”، وصدف أن هناك صاحب دار نشر ما، أعجبته هذه القصيدة لتلك الشاعرة أو ذاك الشاعر، فقرر أن يتبنى هذه الموهبة، ويقوم بطباعة كتاب لها في واحدة من دور النشر تلك، التي لم يسمع بها إلا كل طويل عمر.
بالتأكيد إنه من الجيد بل من المهم، أن يكون لدينا هذه النهضة الطباعية في المنطقة العربية، وهي التي حققت بظهورها حينها، نهضة حضارية وثورة في عالم المطبوعات،وباعتبار أن نهضتنا الثقافية التي خلت، بدت وتبدت نتائجها منذ سنوات سبع مرت كأنها العلقم، وجميعنا يعرف كم كانت النتائج مروعة لهذا النتاج، ولكن ما يحدث أن تلك الكتب ورغم وهمية 90 بالمئة منها، إلا أنها لم تمرّ مثلا على قارئ خبير فعلا، وصاحب قرار بطباعة هذا الكتاب وبرفض غيره، أو على الأقل بمعرفة إن كان ما بين يديه شعرا، أم هلوسة من نوع ما؟ وهنا تتدخل النسبية عند القراء -الفيسبوكيين غالبا- الذين يعتمدون ذائقتهم الشخصية ومنسوب التستوستيرون والحماس في دمائهم، بعيدا عن أي معايير ضرورية لتقييم هذا العمل أو ذاك، وكم صار من السهولة بمكان أن نطلق لقب شاعر على علتان أو علتانة من الناس، وكم هو سهل إغداق هذه الصفة لدينا، إلا أن الأخطر هو هذه الظاهرة “الطباعة الوهمية” وكيف تفشت بين الناس، والأغرب أن أغلب المنشور لهم من قِبل تلك الدور، أغلبهم من الجنس اللطيف، وهذا مفهوم، باعتبار أن خوض المرأة في الشعر لوحده، يعتبره إزاحة حاجز شائك من أمام صاحب الدار الذواق!، إنها شاعرة، هي إذا منفتحة وتخوض في أغلب الشؤون التحررية، وهذا جيد بداية، -طبعا هذا هو رأي صاحب دار النشر تلك.