“سُلطةٌ رابعة”..!
يبدو المشهد الإعلامي اليوم؛ بعد سلّة التّغييرات التي شهدتها بعض مؤسّساتنا المنتجة لهذا المشهد، والتي تنشُد رسم خارطة جديدة له، وإعادة هيكلتها بما ينسجم والتّحديات التي نواجهها والفرص التي يمكن الإفادة منها؛ أكثر انفتاحاً وتحوّلاً نحو آليات عمل جديدة في إطار قراءة متطوّرة لما تشهده البلاد أولاً؛ والعالم تالياً؛ من مفاهيم ومعطيات واستراتيجيات حديثة أسّها وجوهرها: صناعة الكلمة وتصدير الصّورة! في السّاحات جميعها: السّياسيّة أو الاقتصاديّة أو الاجتماعيّة والثّقافيّة.
ولعلّ ما يستبطنه هذا الحراك الدّؤوب؛ في إعادة صناعة المشهد الإعلامي؛ هو مرارة الشّعور بانحسار دور الإعلام الحكومي، وتآكل الاعتماد عليه كمصدر للمعلومات أو المعارف، بالإضافة إلى تلمّس انكفائه وعدم قدرته -في كثير من الأحيان- على تقديم محتوى فني مناسب أو جاذب للمشاهدة، في ظلّ تعثّر الإعلام الخاص أو فشله، في تقديم محتوى يليق بتحديّات المرحلة التي نعيشها، ما استولد هاجس إعادة هيكلة المنظومة الإعلاميّة وفق رؤية جديدة؛ تواكب تحديّات المرحلة ومقتضيات العصر، وتلبي احتياجات الدّولة والمواطن على حدّ سواء؛ وتبني صورة إيجابيّة لحركة المجتمع مع الاعتراف الكامل بحجم وطبيعة المشكلات التي نواجهها، وتوخّي أعلى درجات الواقعيّة والموضوعيّة في نقل ما يواجه المجتمع من تحديّات أو إخفاقات.
فإعادة هيكلة الرّؤية الإعلامية، وبالتّالي الرّسالة الإعلامية؛ يؤدّي بالضّرورة إلى تبنّي سياسات واستراتيجيات جديدة، تتّسق مع مهمّة الإعلام ورسالته، في عصر يتّسم بالمنافسة، ويُعتبر المتلقّي فيه: محور العمليّة الإعلاميّة؛ مايستوجب أن يكون خطابها مسكوناً بحالة الحرب المعيشة وتداعياتها البشريّة والماديّة..!
وإذ نصبو إلى رؤية إعلاميّة جديدة، تتماهى مع التّحوّل النّوعي في المحتوى الإعلامي ليكون إعلاماً وطنيّاً معبّراً عن كل فئات المجتمع واهتماماته، في إطار من الحفاظ على القيم والمبادئ التي تحفظ للمجتمع وحدته وتصون للوطن خصوصيّته وتميّزه؛ فإنّ لسان حال الجمهور لطالما كان ماثلاً بتوخّيه لإعلام جديد، غير مرتمٍ في حضن الحكومة، أو إعلامٍ خاص غير خجول أو محكوم بشخصانيّة مُشغّليه!
إعلامٌ قادرٌ على النّقد والتّعليق على أعمال الحكومة والمؤسّسات، وأداء دور العين السّاهرة على المصلحة العامة والدّفاع عنها، والحصول على المعلومة؛ أنّى كان مرجعها؛ بحريّة وشفافيّة.
ولا ريب في أنّ تحقيق هذه الرّؤية يتطلّب إعادة النّظر في الرّسالة الإعلامية بعيداً عن القوالب النّمطية الجاهزة، التي عاشها بعض إعلامنا -ولاسيّما منه المرئيّ- وكانت سبباً في خسارته لنسبة كبيرة من التّلقي والمشاهدة.!
وكذا فإنّ المواءمة بين المحليّة والإقليميّة والعالميّة؛ أصبحت اليوم إحدى التّحديات الكبرى التي نحتاج إلى وضعها نصب أعيننا ونحن نعيد صياغة المهمّة والرّسالة الإعلامية، فضلاً عن أنّ مسألة التّلقي ونسب المشاهدة وآليات قياسها؛ تفتح الباب مشرعاً على منهجيّات علميّة وأساليب مقارنة لا تُغفلُ البتة اقتصاديّات التّشغيل الإعلامي باعتبارها التّحديات الأساسية لأيّة مؤسسة إعلاميّة.
والحال أنّنا جميعاً نريد إعلاماً صادقاً، صامداً، موضوعيّاً، نزيهاً، شفّافاً، ذا مصداقيّة وجرأة، وغير مُهادن.
نريد إعلاماً يحترم عقولنا وأذواقنا، وتقاليدنا، وخصوصيّاتنا، وثقافتنا، ولغتنا، وهويتنا، وقيمنا، وأخلاقنا، وحضارتنا.
نريد إعلاماً ينطق بلغة نفهمها، ويعبّر عن آلامنا وآمالنا بكل أمانة ومسؤوليّة. لا نريد إعلاماً يضحك على الذقون، بل نريد إعلاماً ملتزماً ضوابط وأخلاقيات المهنة، وثقافة البناء: بناء الإنسان والعمران معاً.
نريد إعلاماً يواكب هذا الانفجار المعلوماتيّ ويُساير التّطورات الجديدة التي جعلت العالم يتحوّل من مجتمع الإنتاج الزّراعي والصّناعي، إلى مجتمع الإنتاج الإعلامي والمعرفيّ. نريد للصّحافة أن تكون ذات مهابة وقدسيّة ورفعة، ونريد لها أن تكون “سلطةً رابعةً ” حقيقيّة..!
أيمن علي
aymanali66@hotmail.com