أمريكا تحــــرق آخـــــر أوراقهــــا
أمريكا دولة استعمارية هذه حقيقة يؤكدها تاريخها الدموي.. دولة تقتات على تجارة الأسلحة وتأجير الجيوش ونشر الأساطيل بعيداً عن أراضيها، وتعمل على إبقاء العالم في حال من عدم الاستقرار مرة عبر التدخل العسكري المباشر وأخرى بالقيادة من الخلف لتبقى ممسكة بخيوط اللعبة.. أمريكا تصنع المشكلة وبعد حين تتدخل لحلها كونها نصبت نفسها شرطياً على العالم، وبقيت لعقود من الزمن تتحكم بالقرار العالمي مستفيدة من قوتها العسكرية الكاسحة وأذرعها الأخطبوطية في المنظمات الدولية ومصادر التمويل الضخمة من “محمياتها” في الخليج. ومن خلال توسيع دائرة الاشتباك وزيادة حجم التدخلات تستفيد من أي خلل في البلدان المناهضة لسياساتها لتحويله إلى أزمة معقدة ليتسنى لها اللعب بما يحقق أجنداتها، ومابين صنع الأزمة والتوصل إلى حل لها تكون قد حققت ولو جزءاً من أهدافها في جني الأرباح ولا يهمها خلال ذلك كم تزهق من أرواح وتشرد من شعوب وتدمر من بنى، فكل هذا لا قيمة له حسب منظور أمريكا التي تأسست على جثث الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين،.
نقطة أخرى هامة ويمكن اعتبارها السبب الرئيس فيما وصلنا إليه الآن، والتي يمكن أن تبقي المنطقة برمتها على فوهة بركان، هي تبعية أنظمة الخليج العمياء لحاكم البيت الأبيض وحجم حماقتهم في تصديق كل كلمة يتلفظ فيها والمسارعة لتلبية مطالبه وفوق ما يحلم به التاجر الأمريكي الذي وجد في وضاعتهم وانبطاحهم فرصة لاستخدامهم ككبش محرقة في المرحلة المقبلة بعدما اقتربت خزائنهم من الإفلاس، بل ورهن ثرواتهم لسنوات قادمة كرمى لعيون ترامب وإيفانكا. بعبارة أخرى لم يعد يرضي غرور ترامب استنزاف الخليج مادياً ويريد الذهاب أبعد من ذلك بكثير من خلال استثمارهم بشرياً بمعنى إقحامهم بصورة مباشرة في الحرب على سورية والاستعانة بمرتزقة القتل الجوال لاستكمال المخطط الذي يخدم إسرائيل في المنطقة.
ترامب وجد الفرصة سانحة خلال مؤتمر صحفي مع ماكرون ليبعث رسائله إلى حكام الخليج حيث أكد مجدداً عزمه على سحب قواته من سورية، داعياً الدول التي لن تبقى أسبوعاً لولا الحماية الأمريكية لملء الفراغ، أي إرسال قوات من دول خليجية إلى سورية واستكمال عديدها وعتادها من شركة “بلاك ووتر”، فالمطلوب فقط تواجد رمزي خليجي وهو كاف لتبديل وجهة الصراع نهائياً من عربي إسرائيلي إلى عربي عربي، وعربي إقليمي، فالرئيس الأمريكي لا يكاد يمر يوم إلا ويهاجم فيه إيران ويحرض عليها ما يعني أن تنفيذ أنظمة الخليج للأوامر الأمريكية سيضع منطقتنا أمام سيناريوهات دموية ترضي فقط مصالح الكيان الصهيوني وأمريكا.
وعلى ما يبدو فقد فهم حكام الممالك والمشيخات بأن ترامب سيزج بهم في معركة تهدد عروشهم الآيلة أصلاً إلى السقوط ومن هذا المنطلق بدؤوا بإحالة المطلب الأمريكي كل على الآخر، حيث أن جبير آل سعود دعا قطر للتنفيذ هذه المرة، وبدوره القطري أعاد الكرة إلى ملعب مملكة الرمال وذكّر بأنهم شركاء سابقين في التآمر على سورية، ما يعني أن ترامب أمام فرصة تاريخية لابتزاز دول الخليج وفق ما يشتهي بعد أن ورطهم في لعبة تتجاوز حجمهم الحقيقي بكثير.
بعد فشل حروب الوكالة والعدوان الثلاثي في تحقيق أي من الأهداف سيضحي الأمريكي ببعض الأدوات، ورغم ثقتنا أن أي تدخل مهما كان شكله وأسلوب تنفيذه سيكون مصيره الفشل، لكن في نفس الوقت فإن أنظمة الخليج باستمرارها في التآمر والانخراط الكلي في الحرب على سورية تكون قد قطعت آخر الخيوط مع محيطها العربي والإقليمي وبالتالي فإن عليها الاستعداد للرد الذي من المؤكد والحتمي أنه سيقتلع السرطان الذي أوغل في حقده وتآمره.
عماد سالم