العدوان الجديد في السياق الفلسطيني
لا يمكن لأي مراقب موضوعي قراءة تصاعد الخطوات العدوانية العسكرية والسياسية لواشنطن وحلفائها، سواء في الميدان، أو ضد مساري “أستانا” و”سوتشي”، بعد أن كبّل، الأطراف ذاتهم، “جنيف” بالشروط النافية لوجوبها، بتعبيرات “علم الكلام”، إلا على أنها محاولة واضحة لوأد أية بارقة أمل لحل سلمي سوري – سوري يُبقي لسورية موقعها الطبيعي في قلب مشروع أبناء المنطقة، المضاد بطبيعته ومضمونه لمشروع الإركاع والاستتباع والنهب الخارجي الذي تحاول واشنطن فرضه على المنطقة بصفاقة “ترامبية”، مهينة ومذلة، تختصرها جملة “ادفع وإلا ستُدْفَعْ”.
وبما أن التاريخ علّمنا، وهو خير معلّم، أن “لا شيء يتحرك خارج سياقه”، فمن الضروري لفهم بعض ما نشهده هذه الأيام، أن نعمد إلى الربط بين حوادث تبدو، للوهلة الأولى، متباعدة متنافرة، لكنها مترابطة بأكثر مما يتصور البعض، ومن أهمها تزامن العدوان الجديد على سورية، سواء بالطائرات شرق الفرات، أو بالصواريخ في ريفي حلب وحماة، مع خسارة المجموعات الإرهابية، ومن يقف خلفها، لمعركة جنوب دمشق بعد خسارتها المدوية في الغوطة الشرقية، وأيضاً اقتصار أول زيارة لوزير الخارجية الأمريكي الجديد “بومبيو” إلى المنطقة على “إسرائيل” والسعودية والأردن.
فإذا كان للعدوان الجديد هدفان مباشران، وهما التشويش على انتصار الغوطة الشرقية والغربية عبر منع سورية من استعادة أراضيها شرق الفرات من جهة، والرد بالنار، من جهة أخرى، على مخرجات الاجتماع الأخير لضامني “أستانا”، فإن له هدفاً آخر غير مباشر، وهو ترصيد هذا “الرد” في المحفظة الأمريكية لصرفه لاحقاً في السياسة، سواء كحصة في سورية المستقبل عبر الأدوات المحلية على الأرض، أو الحصول على تطمينات رسمية من “المحور” المنتصر، الذي تتربع سورية في قلبه، فيما يخص أمن “إسرائيل” وبقية الأنظمة الحليفة لواشنطن في المنطقة التي لا يمكن لها أن تبقى أسبوعاً واحداً لولا الحماية الأمريكية كما جاء على لسان “ترامب” ذاته.
وإذا وضعنا زيارة “بومبيو”، بمحطاتها المحددة، في سياقها الطبيعي الذي يفسّره كلام ولي العهد السعودي من نيويورك حين قال: “حان الوقت ليوافق الفلسطينيون على الاقتراحات التي تطرح أمامهم، وإن لم يفعلوا ذلك، فعليهم أن يخرسوا ويكفّوا عن الشكوى”، فإن الهدف الأساس، من مجمل ما يحدث على مستوى المنطقة، يصبح واضحاً، وهو حرف الأنظار عن خطوة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، باعتبارها الخطوة الأولى لحلّ القضية الفلسطينية وفق الرؤية “الإسرائيلية”، وهو حلّ لم تعد الأنظمة العربية المعروفة تخجل من تبنّيه، وتغطيته سواء بطرح أوهام تجميلية مثل الترويج لخطة سلام جديدة معدّلة لصالح الفلسطينيين ستقدمها واشنطن بعد نقل السفارة، أو عبر خطوات إجرامية متتالية مثل تحويل الأنظار نحو “العدو” الإيراني بمساهمة هائلة من التغطية السياسية والإعلامية المذهبية الفاجرة.
بهذا المعنى لا يكون العدوان الجديد جديداً، إلا في توقيته الزمني، لكنه، على مثال كلام ولي العهد، كاشفٌ لأسباب أحداث ومخططات سابقة ولاحقة عليه، ويقع مثلهما، في الكشف، عودة “حرب” التحالف الدولي المزعوم مع “داعش” للواجهة مرة أخرى، بعد أن غطت في سبات عميق خلال الفترة السابقة، ومطالبة “بومبيو” استعجال إنهاء النزاع الخليجي مع قطر الجاهزة، كغيرها، للسير خلف واشنطن ورص الصفوف في هذه المرحلة الخطرة.
إذاً هدف العدوان إبقاء الأزمة السورية دون حلّ لتمرير هدف آخر، وهو جريمة حلّ فلسطين، وليس قضيتها، خاصة بعد أن أصبحت المواعيد الأمريكية المضروبة سابقاً ضاغطة للغاية، فهذا شهر استحقاق “النووي الإيراني”، وفيه تحضر قضية القدس المركزية في الصراع الصهيوني العربي، وتحضر، بالضرورة، “صفقة القرن” أيضاً، وتلك قضايا مصيرية لا يمكن حلها لصالح أبناء المنطقة سوى بسورية المعافاة والمنتصرة، لذلك تحاول واشنطن “رفع حرارة” المنطقة السياسية والعسكرية إلى أبعد مدى، فهل يكون خلف هذا “الرفع” طلب للتفاوض على نار ساخنة، أم أنه مقدمات ضرورية للحرب الكبرى، خاصة وأن العالم يتشكل الآن انطلاقاً من الأرض السورية.. لننتظر ونرى، فالصراع مستمر.
أحمد حسن