أيام الدراسة.. أساء للعلاقة بين الطلاب والمدرّسين
عرف الجمهور العربي على وجه العموم والسوري بشكل خاص العديد من المسلسلات الكوميدية الخفيفة التي أنتجت تحت خيمة الدراما السورية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد مرت هذه النتاجات الكوميدية بمراحل ازدهار وتألق، ابتداء من سلسلة مرايا للمبدع ياسر العظمة، مروراً بأجزاء بقعة ضوء، وانتهاء بالعديد من المسلسلات أمثال ضيعة ضايعة، وغيرها، لكن وللأسف، المتابع للكوميديا السورية في الأعوام الأخيرة، سيلحظ حتما التراجع المدوّي الذي تشهده مع الاستسهال في الطرح الذي تحمله وتقدمه للمشاهد، فلم تعد أكثر من تهريج، وحركات هزلية لا تضحك الصغير كي تقنع الكبير، ولم يقتصر الأمر على قلة الأعمال الكوميدية، بل أيضا على النتاج الفكري المقدم لهذا النوع من الدراما.
كثيراً ما أتساءل عندما أتابع بعض الأعمال الكوميدية الهابطة عن جدوى إقدام شركات الإنتاج الفني على إنتاج مثل هكذا أعمال فارغة الشكل والمضمون، لا تحمل أي رسالة إنسانية سواء أكانت ترفيهية أو اجتماعية أو ثقافية، فقد عُرض على شاشتنا الوطنية العديد من المسلسلات، والأعمال التلفزيونية صنفت على أنها كوميدية، وهي في الحقيقة لا ترقى إلى مستوى الكوميديا التي قدمتها الدراما السورية في الفترة الذهبية، ولا إلى مستوى عقلية المشاهد ما بين الغث والسمين، ومن تابع المسلسل التلفزيوني (أيام الدراسة) بجزأيه الأول والثاني للكاتب الشاب طلال مارديني يشعر بإشكالية ما طُرح من حلقات مجانية فارغة الشكل والمضمون، فأحداث المسلسل تدور حول شريحة من الطلاب في إحدى المدارس الخاصة يتعاملون فيما بينهم بطريقة لا تليق بطلاب المرحلة الثانوية، فالمسلسل بحلقاته سلط الضوء بطريقة عبثية على العلاقة التي تربط الطالب مع أستاذه، والتي صورها المخرج على أنها علاقة هزلية وهشة، وغير واضحة، ورسم في أذهان أطفالنا صورة المعلم المستكين لظروفه ولحبه وعشقه، وإلى أمور معاشية أخرى، ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود بل أساء المخرج لهذه العلاقة التي نعرف بأنها مبنية على أسس من الاحترام بين الطرفين، بقصد إظهار هذه العلاقة على أن تكون المفصل المراد أن يضفي جواً كوميدياً على العمل من خلال علاقات الطلاب مع أساتذة المدرسة، وكم كنت أتمنى لو تم عرض فكرة المسلسل على المعنيين في وزارة التربية لكانوا طالبوا بإلغائه أو إجراء تعديلات كبيرة على فكرته، غير أن إقحام مجموعة من الممثلين الشباب على الكوميديا بهذا الأسلوب التجريبي الفضفاض أضعف من تماسك العمل، وفرض عبئاً إضافياً على الشخصيات الرئيسية التي حاولت أن تقدم شيئاً جديداً، لكن محاولاتها باءت بالفشل نتيجة عدم قدرة مخرج العمل على ضبط إيقاع شخصيات العمل، وتوظيف قدرتهم الفنية في خدمة العمل ككل، ما أظهر العمل بطريقة فجة، وغير مقنعة.
أيام الدراسة مسلسل لم يستطع أن يوظف العلاقات الاجتماعية حتى بين الطلاب أنفسهم بقالبها الكوميدي توظيفاً مقنعاً وملائماً، فتاه المشاهد بين العديد من التساؤلات لم تكن الإجابة عليها حاضرة بباله.
صحيح أن العمل في الكوميديا الاجتماعية التي تلامس شريحة معينة من المجتمع السوري يعد مغامرة لكن من الأفضل أن يكون هناك إجراء محاكمة عقلية، وتقييم مدروس لهكذا نص قبل المغامرة فيه، فالعمل يحمل توقيع المخرج في نهاية الشارة، ويسجل ضمن سيرته الفنية، فهل نصحو قبل فوات الأوان ونستشعر أن الكوميديا السورية تعيش بداية إشكالية بسبب نهمنا المادي، ونهم القنوات الفضائية، وأن نسعى لتقديم مادة راقية نقدم من خلالها حلولاً جيدة تنعكس إيجاباً على أكبر شريحة من مجتمعنا السوري الذي بات بحاجة إلى شحنة تخرجه من عبء المسلسلات التجارية الفضفاضة.
مهند الحسني