تكرار المطالب العمالية يشي بعدم المعالجة..! ممثلو العمال يتحفظون على إجراءات وزير الصحة.. ويتهمون بعض إدارات “الصناعة” بالسعي لإغلاق “حديد حماة”..!
لا نشك بجدية الحكومة لجهة مواظبتها على حضور الاجتماعات الدورية للمجلس العام للاتحاد العام لنقابات العمال، والاستماع لما في جعبة الطبقة العمالية من مطالب تعكس مواجع المجتمع كله، لكن هذه الجدية لم يتمخض عنها تلك المعالجات المطلوبة، نظراً لتكرار مسلسل المطالب التي لم تغب عن اجتماع الدورة العاشرة للمجلس بالأمس، مثل “زيادة الرواتب والأجور- تحسين الوضع المعيشي للمواطن- تسوية أوضاع العمال الموسميين والمياومين…إلخ”. وقد يكون ثمة اعتبارات موضوعية – حالت دون هذه المعالجات – لها علاقة بالظرف الراهن لعدد من القطاعات كما هو حاصل – على سبيل المثال – في القطاع الزراعي حيث حذر بعض ممثلي العمال من انحساره لأسباب يعود بعضها للتغييرات المناخية. وأخرى قد تكون ذاتية مرتبطة بشكل أو بآخر بتقصير الجهات المعنية، مثل تقصير وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بضبط الأسعار خاصة في ظل الاستقرار الواضح بسعر صرف الليرة الذي كان يعتبر في فترة من الفترات أحد شماعات هذا الموضوع..!
جديد
ولعل جديد المطالب العمالية تمثل بمداخلة حول دراسة الوفر المحقق من بعض القطاعات التي لم تنعكس على تحسين الواقع المعاشي، والتحذير من انهيار القطاع الزراعي نتيجة قضم الأراضي الزراعية لإنشاء مبانٍ سكنية في خطوة اعتبرها ممثلو العمال “محاباة لبعض المستثمرين”، وإعادة إحداث المجلس الأعلى للزراعة، والاهتمام بالثروة الحيوانية التي خسرنا أكثر من 50% منها.
نصيب واسع
ونال قطاع الصحة نصيباً واسعاً من تحفظ ممثلي العمال الذين اعتبروا أن ويزر الصحة يمارس إجراءات تعسفية لجهة ما يقوم به من تنقلات غير المبررة من دون الرجوع إلى اللجان النقابية، مطالبين في ذات السياق منح العاملين في القطاع الصحي تعويض طبيعة العمل تناسب والعمل والجهد المبذولين، وخاصة للممرضين والمساعدين الفنيين، حيث صدرت قرارات لمنح اختصاص التخدير والطوارئ والمعالجة الفيزيائية تعويضات إضافية مقابل تجاهل باقي الاختصاصات، مقترحين أن يتم إعادة دراسة تعويض طبيعة العمل ومنحها لباقي الاختصاصات الطبية المساعدة، وكذلك تعويض مخاطر المهنة. كما ركزت المداخلات على معالجة موضوع التسعيرة للوحدات الطبية من قبل وزارة الصحة، بحيث يتم إلغاء عبارة الحد الأدنى، وإصدار قرار تسعير خاص بالإجراءات الطبية يراجع كلما دعت الحاجة.
حضور متوقع
طبيعة الاجتماع فرضت حضوراً متوقعاً كالعادة للهم العمالي في القطاعين العام والخاص، إذ ركزت المطالب على وجوب تغيير أو على الأقل تعديل كبير في القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم /50/ لعام 2004، وخصوصاً لجهة جداول الرواتب والأجور والتعويضات، وكذلك الأمر بالنسبة لقانون العمل رقم /17/ والذي طالما سمعنا عن تعديل مواده أو بعضها منذ فترة طويلة، ولم يصدر أي تعديل مع أن المشهد الصناعي والتجاري الخاص يشهد تبدلات سريعة، مع اقتراح تشكيل لجنة مختصة يشارك فيها الاتحاد العام لنقابات العمال ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية لدراسة حقيقة أوضاع عمال القطاع الخاص بالكامل، وإنشاء علاقة حضارية تحفظ حقوق هذا القطاع، مشترطين عدم قبول أي ترخيص لأية منشأة صناعية أو تجارية إلا بعد دراسة الجدوى الاقتصادية لها ووضع العاملين فيها، منوهين إلى أن بعض أرباب العمل يقومون بإنشاء ورش صغيرة للهروب من التأمينات والضرائب. إضافة إلى تطبيق مبدأ ربط الأجر بالإنتاج لما له من أهمية كبيرة، وتطبيق مبدأ الحوافز والتعويضات بشكل حقيقي.
زخم أكبر
ومن بين المطالب أيضاً ضرورة إعطاء مزيد من الزخم لشركة تاميكو ذات التاريخ الإنتاجي العريق التي باتت مهددة بالزوال نظراً لصعوبة تأهيل موقعها الكائن في الغوطة، وذلك من خلال الاستفادة من مواقع وزارة الصناعة الخارجة عن الخدمة، مثل معمل الكبريت في باب شرقي، ذي الموقع المناسب لشركة تاميكو، مع إعادة النظر في إدارة بعض الشركات وخاصة ذات الصرفيات العالية من دون نتائج مقابلة، مثل شركة الأسمدة التي أنفقت خلال الربع الأول من العام الجاري 2.4 مليار، ولم تنتج سوى 15% من طاقتها الإنتاجية رغم تأمين مستلزمات الإنتاج لها. بالتوازي مع اتخاذ القرارات الجريئة والموضوعية حول الشركات والمعامل المدمرة لجهة نشاط هذه الشركات، أو تطوير بعض الشركات الحدية أو المتعثرة إدارياً وفنياً وتسويقياً من خلال عقود خاصة أو بالمشاركة أو بالطرح للاكتتاب العام، والابتعاد عن مفهوم الشركات القابضة.
تشخيص
وشخص ممثلو العمال واقع شركة حديد حماة وما كلف إعادة تأهيلها من عشرات الملايين من الدولارات، لتقلع بوتيرة إنتاج مقبولة نسبة لظروف التشغيل، إلا أن بعض الإدارات المركزية بالوزارة لا هم لهم سوى إغلاق المعمل، ويروجون عبر تصريحاتهم بأنه خاسر، علماً أن أرباحه خلال الربع الأول من العام الجاري تجاوزت 1.2 مليار ليرة، رغم أن الشركة تعاني من نقص كبير وحاد في مادة الخردة التي تشكل المادة الأساسية للإنتاج والمحصور تأمينها بلجنة الخردة المكلفة من رئاسة مجلس الوزراء والتي لم تلتزم سوى بأمين 10% من حاجة الشركة، بالإضافة إلى نقص الكميات الواردة من الكهرباء اللازمة لتشغيل المعمل، مع الإشارة إلى أن عدد عمال الشركة يقارب 800 عامل على غير ما يشاع بأن عددهم غير كافٍ، منوهين إلى أنهم يعملون بمجهود عالي رغم عدم تقاضيهم التعويضات المنصفة لهم كتعويض طبيعة العمل وتعويض المخاطر. كما طالب ممثلو العمال بإعادة النظر بقيمة الاستثمارات لتتناسب مع القوى الشرائية للعملة الوطنية، وربط قيم الاستثمارات بأهدافها من خلال قيم استرشادية، وإعفاء الفلاحين من الفوائد على القروض والتي تراكمت خلال سنوات الأزمة.
جهود حكومية
ولم يخفِ ممثلو العمال الجهود الحكومية تجاه عودة دوران عجلة الصناعة في محافظة حلب، مشيرين إلى ضرورة تأمين مصدر توليد في المحطة الحرارية بحلب التي كانت قادرة على توليد 1065 ميغا، مطالبين بإصلاح مجموعة واحدة ضمن هذه المحطة المدمرة بحيث تكون قادرة على توليد 213 ميغا واط، نظراً لتغذية المحافظة حالياً عن طريق خط نقل وحيد يصل من حماة – أثريا بحدود 150 ميغاواط، وأن أية حالة فصل تصبح المحافظة بالكامل في ظلام تام. مع المطالبة بإحداث مدارس لذوي الشهداء والجرحى تكون مميزة عن باقي المدارس في محافظة حلب.
حسن النابلسي