سنبنيها من جديد بأيدينا وبقطرات العرق والدم القادري: عمالنا كانوا خلال هذه الحرب مقاتلين حقيقيين.. وثقتهم بالنصر وعزيمتهم صنعت صموداً أسطورياً
“ستعود سورية أقوى مما كانت لأنها ستبنى بأيدي أبنائها الشرفاء من جديد البشر والحجر”.. كلمات رددها جمال القادري رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال أكثر من مرة خلال حوارنا معه وهو يسترجع مستذكراً تارة بعض مراحل العمل النقابي، وأهم محطاته ومواقفه وقراراته النقابية، وقارئاً ومستشرفاً تارة أخرى لأبرز العناوين المستقبلية، سواء في العمل النقابي، أو في الحالة العامة المعيشية والاقتصادية خلال المرحلة القادمة.
لقاؤنا مع (أبي أحمد) لم يكن محدود السقف، بل كان شاملاً، وهذا ما وسع دائرة الحديث الذي تعددت محاوره ما بين العمالي النقابي، والاقتصادي المعيشي.
عجلة الإنتاج
حصيلة المؤتمرات النقابية التي أنهى الاتحاد العام لنقابات العمال عقدها على مختلف المستويات في الشهر الماضي والتي توجت بعقد المجلس العام في دورته العاشرة كانت المحور الأول في حوارنا مع القادري الذي هنأ الطبقة العاملة بعيد الأول من أيار، وبانتصارات الجيش العربي السوري الذي يواصل القتال المشرف ضد الإرهابيين في كل بقاع الوطن، وقال: لقد وقف العمال في خندق المواجهة، وكانوا الرديف الأول لجيشنا الباسل، وقدموا التضحيات والشهداء، وواصلوا العمل والإنتاج بشكل عزز حالة الصمود، ودعم إرادة الحياة بكل أوجهها، وفي مقابل ذلك قام الاتحاد بالعديد من الخطوات التي حققت المزيد من المكاسب العمالية، حيث تم تقديم إعانات مالية كبيرة لأسر الشهداء، وذلك من واردات الوحدة الإنتاجية، وهناك مشروع دعم الأسرة العاملة الذي يعمل عليه الاتحاد العام.
وأكمل القادري بالقول: لا نتوانى لحظة عن تلبية المطالب المحقة القابلة للتحقيق مدفوعين نحو ذلك بشعور عال من المسؤولية تجاه عمالنا، ونسعى دائماً للارتقاء إلى مستوى المهام الموكلة إلينا، والأمانة التي وضعها عمالنا في أعناقنا.
وتابع: نحن منظمة مزدوجة الأهداف، منظمة طبقية عمالية تعنى بحقوق العمال، وجهة رقابة شعبية، وقد أعطانا المشرع دور الرقابة الشعبية، وبالتالي يجب أن نمارس الدورين اللذين أعطانا إياهما المشرع، ونحن معنيون بتصليب صمود وطننا، وبالنهوض الاقتصادي، ومعنيون على المستوى الوطني والطبقي بإعادة عجلة الإنتاج إلى الشركات، ويجب ألا نيئس، ويجب أن نشد عزائمنا أكثر، على الرغم من معاناتنا من الوضع المعيشي الصعب، والعوز الشديد في متطلبات الحياة، ويجب ألا ننسى أننا في حالة صمود، والصمود يتطلب تضحية، ومعاناتنا لا تعادل قطرة دم من جريح، وساعة رباط لجندي من الجيش العربي السوري في مواجهة الإرهابيين الذين يستهدفون كل شيء حي أمامهم.
خارطة الإصلاح
انتقلنا والقادري للحديث عن واقع القطاع العام الصناعي، حيث بدا واضحاً في موقفه الرافض لبعض الأفكار والحلول التي تدور في فلك إصلاح القطاع العام، وقال لنا بلهجة واثقة لا تخلو من الحزم: هناك شركات متعثرة قبل الأزمة، ولكن اليوم بعد الدور الهائل والكبير للقطاع العام، أعتقد أنه من الضروري إعادة النظر بالتوجه نحو خصخصته، أو استثماره، أو تصفيته، أو تخسيره، أو تأجيره، فقد كان متراس الصمود الأساسي في الجانب الاقتصادي خلال الأزمة، ونحن معنيون بهذا القطاع وطنياً وعمالياً، ونرى فيه ضرورة سياسية وعمالية واجتماعية، لذلك يجب علينا أن نتابعه، وسنتعامل بمنتهى الشفافية، ونسمي الأشياء بمسمياتها دون أن نجامل أحداً في كل ما يتعلق بالقطاع الصناعي الذي نحتاج إلى كل منشآته في مرحلة إعادة الإعمار.
وأضاف القادري: يجب أن نكون منفتحين اليوم، وعلينا تغيير ذهنية ما قبل الأزمة، فهناك تحديات ومتطلبات أكبر يجب التعامل معها بواقعية، فلا مانع من التشاركية شريطة أن تكون حقوق الدولة مؤمنة، وألا يتم نهب هذه الشركات، وألا يعطى “على أساس التشاركية” أي موقع عمل رابح ، أو أي موقع نستطيع صيانته، وإعادة عجلة إنتاجه، والقطاع الخاص قطاع وطني في معظمه، ونحن مع استثمار أمواله ومساهمته في عملية التنمية، ولكن في الشركات الخاسرة وغير القادرين على ترميمها فلا مانع من مشاركته بها وفق القانون القائم، والذي يحوي عيوباً كثيرة، “وأنا أتكلم من موقعي التشريعي كعضو مجلس شعب”، حيث طالبنا رفاقنا في الحكومة بإعادة قراءة القانون لوضع ضوابط لهذه العيوب، ولكن لحين تعديله وصدور قانون جديد، ليست لدينا أية مشكلة بالتشاركية وفق هذا القانون في أي موقع عمل على أساس القواعد التي ذكرتها، في القطاعات التي لا تستطيع الدولة العمل فيها بشكل مباشر.
التأهيل والتدريب
ورفض القادري الفكرة التي يتم الترويج لها عن فائض العمالة، حيث يرى وجود نقص كبير في اليد العاملة والخبيرة، وهذا ما يحتاج في رأيه إلى معالجة حقيقية، طارحاً فكرة أن تكون هناك دورات تدريب وتأهيل للمتقدمين إلى الوظائف قبل التقدم للمسابقة ولمدة شهر.
وركز أيضاً على أهمية متابعة سياسات التأهيل والتدريب، ففي مرحلة ما قبل الأزمة كانت المؤسسات والشركات تنقل موازنات التأهيل والتدريب بعد اعتمادها إلى نوافذ وأبواب أخرى، لافتاً إلى أن ما قبل الأزمة يختلف عما بعدها، ويجب إيلاء سياسات التأهيل والتدريب كل الاهتمام.
التحديات الاقتصادية
رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال بيّن أن من جملة التحديات التي واجهت سورية، إضافة إلى الجرائم الإرهابية التي استهدفت كل أنواع الحياة، كانت هناك حرب من نوع آخر، حرب اقتصادية، حيث حوصر الاقتصاد السوري قبل أن تبدأ الحرب الإرهابية عليه، وفرضت عقوبات جائرة على هذا الاقتصاد، وقال: ومع ذلك كان العمال على قدر الرهان، والقطاع العام “الذي نتهم بأننا نحمل السلم بالعرض للدفاع عنه”، كان صخرة الصمود الاقتصادي الأساسية لسورية في هذه الحرب، وهذا شيء لا تخطئه عين، ولا ينكره إلا جاحد.
وفيما يتعلق بتحسين الوضع المعيشي قال القادري: قضية زيادة الرواتب والأجور لا تغيب عن أي مجلس أو اجتماع نناقشه مع الوزراء، أو في مجلس الشعب، حيث تمثّل زيادة الرواتب مطلباً يتصدر قائمة مطالب العمال، وهي منفذ من جملة منافذ يمكن أن تسهم في تحسين الوضع المعيشي، ولكن إذا كانت الظروف الحالية تؤجل هذا الإجراء، فهناك خطوات أخرى لابد من العمل عليها، فإذا أمنا النقل لعمالنا، وخففنا عنهم أجوره، نكون بذلك قد ساهمنا بتحسين الوضع المعيشي، وإذا حسّنا الخدمات الصحية نكون بذلك قد خففنا عنهم أعباء الفاتورة الصحية، وإذا ضبطنا الأسواق وكسرنا الاحتكار، وفعّلنا الهيئات التي شكّلناها، سنسهم في تحسين الوضع المعيشي، مضيفاً: نطالب بتحسين الوضع المعيشي لتعزيز مقومات الصمود لشعبنا الذي صمد كل هذه الفترة، مؤكداً أن هذه المعاناة، وهذا الصمود سيثمران نصراً أسطورياً بفضل أبطال جيشنا، ودماء شهدائنا، وصمود قائدنا السيد الرئيس بشار الأسد.
دور هام
ولم يتوان القادري عن التأكيد على أن المكتب التنفيذي للاتحاد العام أنجز الكثير من القضايا، سواء العمالية منها، أو الاقتصادية، أو الإنتاجية، أو القضايا المتعلقة بالفساد، حيث تصاغ بمذكرات رسمية، وترفع للمفاصل المختصة في الحكومة، ولكن أغلب الردود هي تبرير لما هو قائم، وليست إصلاحاً للمشكلة أو القضية، وأضاف القادري: هناك عشرات المذكرات التي أعدها الاتحاد العام، وهي حصيلة عمل سابق، وأخرى صادرة عن المرصد العمالي، حرصاً من الاتحاد العام على أن تكون المذكرات والدراسات علمية وموضوعية بعيدة عن الارتجال، كما صدرت مذكرات حول ارتفاع الأسعار، وتدني الأجور، وإصلاح القطاع الصناعي أيضاً، لتأتي الردود تسويفاً لما هو قائم، وعدم وجود إمكانية مالية لمعالجتها، ولا شك في أن الحكومة القائمة هي حكومتنا، ولكن هذا لا ينفي وجود أخطاء وأشخاص لم يرتقوا لمستوى المسؤولية، وأكد رئيس الاتحاد عدم وجود أي تقصير من النقابيين على كافة المستويات النقابية، لا بالمتابعة، ولا برصد الأخطاء والمعالجة.
وتابع القادري قائلاً: نحن ندرك تماماً عدم وجود إمكانيات مالية، ولدينا دراية بحقيقة الوضع الاقتصادي، والنزيف الهائل الذي عانى منه الاقتصاد السوري على وقع الأزمة، ولكن المطلوب إعادة النظر في أولوياتنا، متسائلاً: لماذا يتم توقيع عقود سيكون تنفيذها بعد خمس سنوات؟!.
تسوية أوضاع
وحول تسوية أوضاع العمال المؤقتين أكد القادري: عملنا من خلال الأمانة المختصة بالاتحاد، وبالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، على إعداد مشروع قرار يقضي بتسوية أوضاع العمال المؤقتين، وتم إعداد مشروع الصك اللازم، ورفعه إلى رئاسة مجلس الوزراء بموجب كتاب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رقم م/م/1/434/ تاريخ 24/1/2018، وتابعنا هذا الموضوع مع اللجنة المذكورة، وانتهت أعمالها بإعداد توصية إلى رئاسة مجلس الوزراء تقضي بتسوية أوضاع العمال المياومين، والموسميين، وعمال الفاتورة، والبونات، بتحويل عقودهم إلى عقود سنوية، بما ينسجم مع مقترحات لجنة القرار (586) تاريخ 2/3/2015، والسماح للجهات العامة التي لديها احتياج عاجل لتسوية أوضاع المؤقتين الذين مضى على استخدامهم سنة فأكثر، وتسوية أوضاعهم وفق المادة /146/ من القانون الأساسي للعاملين بالدولة، وتتم متابعة هذا الموضوع لدى رئاسة مجلس الوزراء من أجل إصدار التعميم اللازم للجهات العامة للقيام بدورها في هذا المجال.
وفيما يخص قانون العاملين الأساسي رقم /50/ لعام 2004 لفت القادري إلى أنه بعد أن تمت دراسة مشروع تعديل قانون العاملين الأساسي رقم /50/ لعام 2004 من خلال اللجنة الوزارية المكلفة، وبمتابعة من الاتحاد العام لنقابات العمال، تمت إحالته إلى رئاسة مجلس الوزراء، وقد تمت دراسة مشروع القانون، وإبداء الملاحظات، وتمت إعادة المشروع إلى وزارة المالية لدراسة العبء المالي المترتب على مشروع تعديل القانون، وبعد الدراسة أعيد المشروع إلى رئاسة الوزراء، وبدورها أحالته إلى وزارة التنمية الإدارية، وفيما يتعلق بمشروع تعديل القانون /17/ لعام 2010 قال: اقترحنا بهذا المجال أن أي تعديل على هذا القانون يجب أن يحافظ على حقوق عمالنا، وبالوقت نفسه أن تكون الحقوق والالتزامات متوازنة وواضحة بنصوص قانونية غير قابلة للتأويل والتفسير، وتعديل النصوص المجحفة بحقوق العامل، ومنها المواد: (64- 65- 63- 51- 205)، بما يضمن رفع الغبن الذي يصيب العامل، ومنح العاملين سنوات خدمة لتمكينهم من التقاعد بدلاً من التعويضات.
أهمية المهام
القادري أكد وهو يودعنا أن الاتحاد العام يعمل على تفعيل دور النقابات في الحد من الهدر، ومحاربة الفساد في كل مفاصل الدولة، وكل جهات ومؤسسات الاقتصاد الوطنية، ومتابعة الوضع المعيشي للمواطن، وتفعيل دور النقابات بالتأثير الإيجابي على الحكومة للعمل على النهوض بواقع المؤشرات الاقتصادية، والاجتماعية، والبشرية، واعتماد سياسات اقتصادية تكفل تقليص دائرة الفقر والبطالة، وتحد من ارتفاع الأسعار، وفي الوقت نفسه سيستمر في الدفاع عن عماله، وتحقيق المزيد من المكاسب، وخاصة في المرحلة القادمة.
وختم القادري حديثه معنا بالقول: شعب سورية استطاع خلال سنوات الحرب أن ينسج من دموع الثكالى واليتامى، ومن أنين الجرحى، ومن معاناة أبنائه، ومن ركام ما دمره الإرهاب الأسود من بنى تحتية بناها شعبنا وعمالنا عبر عقود طويلة من التنمية، أسطورة صمود سيتحدث عنها التاريخ بأحرف من نور، وسيسجل التاريخ أيضاً وأيضاً بأنه في سورية وفي سورية فقط لم تعد البطولة حالة فردية، بل حالة جماعية، كما قال قائدنا البطل السيد الرئيس بشار الأسد، فكما حققها بواسل جيشنا في الميدان حققها عمالنا وكل شرائح شعبنا، كلاً في ميدانه، في سبيل تحقيق النصر الذي كنا واثقين منذ الأيام الأولى للحرب بأنه سيتحقق، ونحن اليوم قاربنا تحقيقه على امتداد ساحات الوطن.
بشير فرزان