عيد حماة القلعة الداخلية
د. صابر فلحوط
قيل قديماً، لن يهزم وطن، رغيفه صنع يده، ورداؤه نسج نوله، وسلاحه دماء أبطاله وشهدائه.
ففي عيد العمال العالمي، تتلفت عيوننا والقلوب إلى أعزائنا العمال، حماة القلعة الداخلية للوطن، بالتحية والإكبار لهؤلاء الذين أكدوا التحالف الأبدي بين عرق العامل في المصانع، ودماء المقاتل في الميدان من أجل حصانة الوطن وعزته وشموخه.
فخلال السنوات السبع، الصبيغة بالدم والنار، التي حاول فيها الإرهاب التكفيري الوهابي اقتلاع الوطن من جذوره، وتحويل حضارته العريقة، وحاضره المتألق، ومستقبله الحلم، إلى سراب وخراب، لولا هذا التحالف المبارك بين اليد القابضة على المطرقة والمنجل، واليد الممسكة بالبندقية والقنبلة.
لقد حاولت دول العدوان، وقد زاد عديدها عن المئة بزعامة أمريكا وحلفائها من نواطير النفط العربي، محاصرة شعبنا برغيف عيشه، وحبة دوائه، وتطلعاته الوطنية والقومية.
وقد كان الامتحان المصيري الأصعب والأخطر لإرادة الناس في الصمود والتحمل ومجابهة العدوان، فكانت الحاجة ملحاحة للإبداع الذاتي، والاعتماد على الطاقات الوطنية، إضافة إلى دعم الأشقاء والأصدقاء في محور المقاومة، التي استنفرت في وجه الحصار المداهم، فكان عمالنا حماة البوابات الداخلية، الأملَ وبردَ اليقين، والثقةَ التي لا تتزعزع في وجه الرواجف، والقواصف، والمثبطات من إعلام مرتهن للصهيونية، وحرب نفسية توزع جبهاتها على آلاف القنوات الفضائية، ومختلف وسائل الاتصال الأخرى.
وقد أبدع عمال الوطن، لضمان رغيف الكرامة، وسد الحاجات الحياتية في حدودها الضرورية والممكنة، واجتراح المعجزات لإيصال المستلزمات إلى المواطن رغم الصعوبات، عبر الحقول المزروعة بالأفخاخ بدل السنابل، والطرقات المرصودة بقناصات الموت، بدلاً من لافتات الاستعلام والحياة.
فلم تتوقف عجلات المعامل والمصانع على امتداد الوطن، كما لم تتأخر برامج لقاحات الأطفال يوماً واحداً عن مواعيدها المحددة في الروزنامة الصحية للجيل، وقد استمرت المشافي، تبدع في واجباتها رغم سخونة الجبهات، واستهداف المقار، بشراً وحجراً لتعطيل مسيرة الحياة في البلد.
أما عمال الأفران، ومسألة ضمان الرغيف الوطني بسعره وصفاته غير المسبوقة في معظم دول العالم، وكذلك في ضمان إيصاله إلى محتاجيه في الجبهات المحتدمة، كما في الأماكن الآمنة، فلهم التقدير الرفيع الذي يجعلهم في مصاف الأبطال في جيشنا الذي يحتل “البطين والأذين” في قلب الوطن الكبير.
صحيح أن الكوارث، هي وحدة القياس الأدق لعظمة الشعوب وجدارتها في الحياة، فقد قدمت الحرب الوطنية العظمى في سورية الأنموذج الأرقى في التحالف، بل التلاحم، بين مختلف شرائح المجتمع عبر الهوية الوطنية الواحدة، والتي تعد السلاح الأفعل، والأمثل في وجه المؤامرات على شعبنا، وتطلعاته الوطنية والعروبية.
لقد كان عمالنا، الذين نرفع لهم القبعات إكباراً في عيدهم اليوم، الإسنادَ والدعم غير المحدودين لجنودنا الأشاوس في جبهات الصراع ضد الإرهاب التكفيري الوهابي النفطي، حيث وفروا بجسارة وعبقرية مستلزمات رغيفي الخبز والدم في سورية، وكان لهم شرف اقتسام النصر الذي تُهيئ جماهيرنا لاستقباله البيارق والرايات احتفالاً به في القادم القريب من الأيام.
ولابد أن يسجل مدونو تاريخ الحرب الكونية على سورية أنصع الصفحات عن التآخي التاريخي بين اليد الصَّناع لعمال الوطن، والزند المشبوب لجنوده الذين أذهلوا العالم ببذلهم وفدائيتهم في المجابهة وتحقيق النصر.
ويأتي عيد العمال في هذا العام، والوطن الشامخ يتنفس الصعداء، وقد أزاح عن كاهله الغمة، واكتسح حصون الإرهاب، وأسهم في رسم مستقبل عالم جديد على الصعيد الدولي، يكون السيد والرائد فيه هو حق الشعوب وكرامتها وعدالة قضاياها، كما سيكون فيه – على الصعيد العربي – الخزي والعار الذي يصفع وجوه من باعوا القضية المركزية للأمة العربية- فلسطين- للعدو الصهيوني عبر – صفعة – القرن التي يوجهها ترامب لشعبنا وقوافل شهدائه على مر التاريخ، كما سيرسخ انتصارُ سورية حقائقَ ذهبية مدهشة، وهي أن عظمة الشعوب لا تقاس بمساحة جغرافيتها وعديد ديموغرافيتها، وإنما تقاس بعطائها وإبداعها واقتدارها على مواجهة الغزاة والطغاة من أعداء الوطن، وانتصارها للمظلومين من أبناء جلدتها، أو إخوتها في الهوية والعروبة والإنسانية على هذا الكوكب.
تحية لعمالنا الذين أمسكوا دفة سفينة إنقاذ الوطن بقوة مذهلة، مواجهين الموج العاتي بوحشيته حيناً، وإغراءاته أحياناً، رافضين بهرجة الدنيا أمام جوائز الخلود التي يستحقون في وطن الكرامة والمجد، وكل التحية والإكبار لشعبنا العظيم وجيشنا الأسطوري وشهدائنا النجوم الزواهر في ليل العروبة الأليل.. وكل التحايا في الختام، كما على الدوام، لقيادتنا المفولذة الأعصاب والمبدعة في معارك السياسة والسلاح.