ألفة الإدلبي.. أستاذة الأدب والحياة
أطلق عليها النقاد صفاتٍ كثيرةً، منها الياسمينة والزنبقة والوردة الجورية الدمشقية، كما وصفها الأستاذ عبد الغني العطري بقوله: “حب دمشق يسري في شرايينها وعروقها، كل قطرة من دمها تهيم بحب دمشق وتتغنى بأزهارها من فل وياسمين وزنبق ومنثور وورد جوري”.. وفي الوقت الذي يفخر فيه العديد من الأدباء والشعراء بأنهم قرضوا الشعر صغاراً أو أنهم كتبوا القصة وهم أطفال تفخر هي بأنها بدأت بالكتابة كبيرةً وهي أم لثلاثة أولاد وسيدة منزل من طراز ممتاز.
القرار الأخير
وأكد الباحث أنس تللو في محاضرته التي ألقاها مؤخراً في المنتدى الاجتماعي أن الأديبة ألفة الإدلبي لم تكن تتوقع أبداً أنها ستصبح يوماً ما أديبة كبيرة، إلا أن ثقة زوجها بموهبتها كانت مساعداً قوياً جداً في دفعها إلى ما وصلت إليه حينما شجعها عام 1947 وكان عمرها خمسةً وثلاثين عاماً على المشاركة بمسابقة أدبية لأفضل قصة في الوطن العربي، سمعت عنها إعلاناً في إذاعة لندن، فكتبت قصة بعنوان “القرار الأخير” وأرسلتها للاشتراك في المسابقة وفازت بجائزتها وكانت ثالث أفضل قصة في الوطن العربي، وكان هذا الأمر دافعاً كبيراً جداً حدا بها إلى استشارة خالها في إرسال قصتها إلى مجلة الرسالة التي لا يكتب فيها إلا العمالقة، فأرسلت قصتين وكانت المفاجأة أن صدر العدد الجديد من الرسالة وفيه القصة الأولى، ثم صدر العدد التالي وفيه قصتها الثانية وعنوانها “الدرس القاسي” ثم بدأ أدبها بالتدفق والنشر فانهالت على المكتبة العربية بمؤلفاتها التي تجاوز عددها الخمسين بين قصة ورواية، إلى أن تُرجم أدبها إلى خمس عشرة لغة أجنبية وتم اعتماد بعضه ليُدرّس في جامعات عالمية، وأوضح تللو أن الإدلبي تحدثت في كتاباتها عن العشرة الحميمة والأسرة الواحدة التي يفتقدها الغرب، وبذلك لم تكن الإدلبي أستاذة في الأدب فحسب، بل كانت أستاذة في فن الحياة أيضاً.
المانوليا
وتحدث تللو عن رواية الإدلبي “المانوليا في دمشق” تلك القصة التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني اسمه “سحر الشرق” والمانوليا زهرة جميلة بيضاء كانت قد أدخلتها الحسناء جين دغبي إلى دمشق للمرة الأولى، والرواية عن قصة واقعية لسيدة من أشهر وأجمل نساء أوروبا وأكثرهن مغامرة، رفضت الغرب الأوروبي ورحلت إلى الشرق العربي لتجد الفردوس المفقود وهي التي تنتمي لأسرة أرستقراطية غنية مرموقة، فوالدها سير هنري دغبي أميرال البحر الذي عني بتربية وتثقيف ابنته التي أتقنت لغات عدة من بينها العربية، وعنيت بعلم الآثار والرسم والنحت، وقد وصِفت بأنها محدّثة بارعة، فكانت مطمعاً لكثير من الشباب الذين تنافسوا على الاقتران بها، وبعد عدة زيجات فاشلة لها عقدت دغبي العزم على السفر إلى سورية وزيارة مدينة تدمر الأثرية وكانت قد تجازوت الأربعين من عمرها، وكان لزاماً عليها أن يصحبها لحمايتها أحد شيوخ البدو، وشاءت الأقدار أن يكون عبد المولى المسرابي الذي أُعجبت به لنبل أخلاقه وشجاعته وشهامته، ولم تر بأساً في أن تعرض نفسها عليه ليتزوجها وهو الذي كان يتقن اللغتين الفرنسية والتركية وتاريخ سورية، وبخاصة تاريخ الآثار والأوابد ليكون دليلاً للسياح وعلماء الآثار الذين يرتادون الصحراء، وكان يتصف بصفات الكرم والنبل والشجاعة والفصاحة وحب المغامرة، وأشار تللو إلى أنه وفي البادية تزوجت دغبي عبد المولى على طريقة البدو أمام شيوخ العشيرة وأقاما في حمص من 1867 إلى 1872 ثم انتقلا إلى دمشق، وهناك ابتاعت دغبي بستاناً وبنت فيه سبعة منازل خصت نفسها بأحدها ووهبت الباقي لرهط من العلماء الذين اهتموا بتعليمها اللغة العربية وكانت تمضي أيام الشتاء في دمشق، وأيام الصيف في البادية، وقد أحبها أبناء قبيلة زوجها وأطلقوا عليها اسم أم اللبن لشدة بياض بشرتها، وفي دمشق كوّنت دغبي صداقة مع المجاهد العربي المعروف الأمير عبد القادر الجزائري الذي كان منفياً بأمر الحكومة الفرنسية إلى سورية، ومع مفتي الديار الشامية الشيخ محمود الحمزاوي، وفي العام 1881 انتشر في دمشق وباء الكوليرا وفرّ منها أكثر السكان، ولا سيما الأجانب منهم، وأبى عبد المولى الفرار، واختارت جين أن تبقى إلى جانبه فأصيبت بالوباء الفتاك وتوفيت عن أربعة وسبعين عاماً ودُفنت في مقبرة البروتستانت في دمشق وكُتب على قبرها بالعربية “مدام دغبي المسرابي” وعاش عبد المولى بعدها ست سنوات حيث توفي سنة 1887 .
وكان المخرج أنور القوادري أخرج منذ سنوات مسلسلاً تلفزيونياً بعنوان “سحر الشرق” تناول فيه قصة عبد المولى المسرابي وجين دغبي وعُرض على الكثير من الفضائيات العربية.
أمينة عباس