مؤشرات ايجابية لمعدلات قراءة الكتب في السويداء
تفاجأت سوسن وهي مسؤولة الإعارة في المركز الثقافي العربي بالسويداء بطلب الطفل رامي ابن العشر سنوات كتاب لمؤلف روسي، حالة قد تدحض كافة الفرضيات التي تشير بتراجع معدلات القراءة وتقول”أنها بحالة ازدياد وليس تراجع” ويعزز رأيها حالة أخرى وهما الشابان “صموئيل وجرير”مهندسا كمبيوتر رغم أن عمرهما لم يتجاوز الخامسة والعشرين عاما، إلا أنهما يملكان مخزونا ثقافيا كبيرا لا يستهان به..الشابان اللذان اتخذا كاركترا مشابها للكثير من الشباب الحالي لجهة الشكل الخارجي، فالشعر الطويل والثياب وغيرها مؤشرات أولية تدل للوهلة الأولى أنهما يعيشان في ذات الفراغ الذي يدور فيه معظم شبابنا، إلا أن مجرد الدخول بالحديث معهما يكتشف المرء وجود عمق فكري وحالة ثقافية متميزة، وكان للانترنت دور ايجابي حيث استطاعا الاستفادة من التطور التكنولوجي بشكل ايجابي ولم ينجرا وراء قشوره.
نعوة مستعجلة
ورغم وجود العديد من الدراسات التي تؤكد انخفاض معدل القراءة في العالم العربي بشكل كبير، لا يتعدى ربع صفحة للفرد في السنة مقابل معدل قراءة كبير للفرد الأمريكي الذي يصل إلى 11 كتابًا في العام الواحد، إلا أن الواقع في السويداء ومن خلال وجود بعض المؤشرات والمعطيات يدل على صورة أكثر أملا من تلك التي تتحدث عنها الدراسات.
تقول سوسن: إن عدد المشتركين في ثقافي السويداء 4500 مشترك وهناك نحو 45الف عنوان يتم تداولها واللافت حسب سوسن هو إقبال شريحة الأطفال على القراءة، كلام سوسن هذا يبعث التفاؤل والأمل في أوساط المثقفين الذين بدؤوا ينعون الكتاب ومفرزاته الفكرية والثقافية، فالمحامي توفيق عبيد كتب على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي “تعلقي بالكتاب والقراءة شديد جداً وعندي مكتبة أشعر أنها صغيرة رغم احتوائها آلاف الكتب والوثائق، فيا للأسف على ما وصلنا إليه في الوطن العربي من وضع مخجل بين الأمم”.
أمية ثقافية
قد يكون الاندفاع نحو التكنولوجية أثر على المزاج العام، وأفقد المرء النهم لمطالعة رواية أو كتاب يتطرق إلى جانب معرفي ما، كما أن السيل الجارف للقنوات الفضائية بما تقدم من مسليات، ولد جهلاً نسبياً ابتعد بالمشاهد عن دائرة تنمية العقل بالاطلاع، والاهم هو تغيير العادات الراسخة التي شكلت عقلية الجيل الذهبي من المبدعين على مستويين، الأول في الصفوة الذين أنتجوا أدباً قيماً، والثاني يتعلق بالقرّاء الذين امتازوا بنهمهم الدائم للمطالعة.
يقول الشاعر قحطان بيرقدار رئيس تحرير مجلة أسامة وصاحب تجربة طويلة في التواصل مع المراكز الثقافية”كلما ابتعدنا عن التجمعات الكبرى نكون أقرب إلى حالة ازدياد القراءة، فالحالة الواسعة للمدن تأخذ المواطن باتجاه العامل الاقتصادي”.
بيرقدار لمس اهتماما واضحا في المسألة الفكرية والثقافية في المحافظة لا يلمسها المرء في أي مكان آخر وسبب ذلك”طبيعة التجمعات السكانية في هذه المنطقة والتي تتميز بالتماسك والتلاحم الاجتماعي الذي لم يؤثر فيه العامل الاقتصادي” ودليل ذلك حسب بيرقدار عدد الأدباء والمفكرين من أبناء السويداء الموجودين على ساحة الوطن ولهم دور مهم في إغناء الثقافة الوطنية.
الحالة الفكرية والثقافية التي تتميز بها السويداء لفتت نظر د. نذير العظمة المحاضر في عدد من الجامعات العربية والعالمية الذي وجد جمهور السويداء منفتحا على الإبداعات الحديثة، وهذا يشكل حسب العظمة وهو ابن تجربة ممتدة على مدار سبعة عقود، جائزة للمبدع الذي يتواصل مع هذا الجمهور، هذا الشاعر الذي زار المحافظة مرتين متباعدتين وجد أن حماس هذا الجمهور مازال متقدا ومتفاعلا بشكل يعكس مدى اهتمامه بتطوير نفسه فكريا وثقافيا، ومدى تواصله والتصاقه بالكتاب.
مشروع شغف
إن سبب الانطباع لدى خبراء اللغة وغيرهم من المهتمين بالشأن الثقافي بأن هناك تراجعاً أو عزوفاَ عن القراءة في مجتمعاتنا العربية يرجع إلى أن نسب القرّاء في الدول الأخرى أعلى بمئات المرات، خصوصاً وأنهم يقرؤون حتى في وسائل المواصلات، فتولد لدينا شعور بأننا مقصرون في هذا الصدد،رغم ذلك نجد هناك مبادرات، ومن هنا كانت تجربة ثقافي السويداء في إطلاق مشروع شغف والذي انطلق منذ عدة سنوات، هذا المشروع الذي يمكن وصفه بالرائد لجهة تشجيع القراءة عبر فكرة الكتاب التبادلي، والتي تحمل شعار كتابك القديم كتابي الجديد، آلاف الكتب التي تم تبادلها عبر هذا المشروع وعشرات الآلاف من المستفيدين منه حتى الآن، واللافت حسب رشا اللحام إحدى المشرفات على المشروع هو العناوين التي يتم تداولها، وهي عناوين تعكس حالة وعي، والاهم بالنسبة لها هو إقبال الأطفال على المشاركة بهذا المشروع وبشكل متواز مع مشاركتهم في حلقات القراءة وورشات الكتابة المسرحية التابعة لنفس المشروع.
مؤشرات ايجابية
مدير الثقافة في السويداء منصور حرب هنيدي يجد من خلال بعض المؤشرات كعدد المنتسبين للمراكز الثقافية ومبيعات منافذ البيع أن حالة قراءة الكتب مازالت بخير رغم كل التحديات التي تعترضها وأهما العامل الاقتصادي ومنافسة التكنولوجيا، ومن المؤشرات الهامة التي أشار إليها هنيدي هي عدد المكتبات المنزلية المنتشرة على ساحة المحافظة والتي تحوي مئات الآلاف من الكتب ذات القيمة العالية، وكذلك دور النشر في المحافظة والتي لم تأخذ الطابع التجاري، بل حافظت على هويتها الفكرية والثقافية.
رفعت الديك