إيران.. والنائمون على حرير القوة المتوهمة
يسابق السعوديون والإسرائيليون الزمن في سبيل جر الإدارة الأمريكية إلى مواجهة عسكرية مع إيران مستغلين سطحية وسذاجة وضعف ترامب، ومراهنين على سلوكيته المحكومة بالجشع، وغرائزيته البافلوفية التي باتت تفرض عليه انتظار آخر نقطة حليب في البقرة السعودية. طبعاً لا أحد يعرف كيف يمكن لهذه المواجهة أن تتحقق، وعلى أية أرض، وأين هي حدود ميدانها، وماهي أهدافها بالضبط، وهل ستكون حرباً مفتوحة أم محدودة وتكتيكية، وكم يمكن أن تستغرق من المدة، ومن هي الأطراف التي ستشارك فيها، ومن هي الأطراف التي ستتورط تلقائياً، وضمن أية أدوار وفي حدود أي استراتيجيا، والأهم كيف يمكن أن تنتهي، وما هي تداعياتها الإقليمية والعالمية، ومن سيكون المنتصر فيها؟ وهي أسئلة تشكّل مجتمعة سلسلة من الاستحقاقات الضرورية التي يتعين إيجاد أجوبة لها، أو على الأقل تقديم إيضاحات بشأنها قبل الإقدام على أية مغامرة، على هذا المستوى من التحدي والخطورة، قد تنقلب وبالاً على أصحابها، بل وقد تحمل في نتائجها إمكانيات واحتمالات مضادة تتعدى حدود الهزيمة العسكرية لتصل إلى تقرير المصير، أو إعادة بناء موازين القوى، في الشرق الأوسط “الكبير” هذه المرة.
يستسهل الأمريكيون والصهاينة والوهابيون السعوديون حديث الحرب. لقد باتوا يعتبرونه تسلية يومية متاحة لا بأس من ممارستها طالما أن الشعب الأمريكي والرأي العام الأمريكي والمصالح القومية الأمريكية مصادرون ومغيبون إلى هذا الحد في ظل شعبوية ترامبية تستعير مظاهر وطنية مزيفة ومخادعة، ولكنها لا تخدم في المحصلة إلا حفنة من بنوك ورساميل ومحافظ مالية متحالفة مع مجمعات صناعية عسكرية معتاشة بدورها على صفقات ومشتريات الأسلحة الضخمة من قبل الطغمتين العائليتين الحاكمتين في كل من الرياض والدوحة خاصة، واللتين تقودان – من جانبهما – مشروعاً تطبيعياً “تاريخياً” على صعيد “العلاقات” العربية الإسرائيلية، وذلك بهدف وحيد هو ضمان استقرار النظامين في بيئة إقليمية متقلبة وخطيرة، والعلاقات الداخلية للفاعلين السياسيين والأمنيين فيها قيد التحول، وكانا هما أول من لعب على تفجيرها طائفياً وأمنياً؛ أما إسرائيل فتدرك من جهتها أن أسئلة الوجود والاستمرارية لا تزال مطروحة رغم مرور سبعين عاماً على إعلان “قيام الدولة”، وأن سنوات نتنياهو الطويلة والكئيبة، وبما يطغى عليها من جمود وفضائحية، لا تزيد هذه الأسئلة إلا إلحاحاً وراهنية، ولا تعكس إلا المزيد من مظاهر الاحتضار والعفونة السياسيين.
يدفع نتنياهو وبن سلمان باتجاه حرب يخططان – كما هو الحال دائماً – لكي تكون بالوكالة. هما يكتفيان بالتحريض.. والتحريض، وحشد “الحلفاء”، مشعلين بين الحين والآخر عود ثقاب هنا، وحريقاً صغيراً هناك، على أمل سماع صيحة البوق التي ستنذر أخيراً بقدوم يوم القيامة. لا يخجل المذكوران من تغابيهما العلني حين يشكوان من “التمدد” الإيراني في المنطقة، ولا يترددان في تذاكيهما المثير للشفقة حين يلوحان – مثلاً – بقدراتهما الهجومية التي تجد باستمرار من يلجمها حرصاً على الاستقرار في الشرق الأوسط، وعدم الجرّ به إلى أتون كارثة جديدة هو بغنى عنها. ولكنهما يخوضان اليوم فعلاً مواجهة افتراضية من الدرجة الأولى، ويستخدمان الوسائط المتعددة أمام جمهور مهذب وتواق إلى معرفة الحقائق بتفاصيلها، وحتى ولو كان ذلك من خلال حملات علاقات عامة باهظة التكلفة بالنسبة للثاني، أو عبر عروض ومشاهد تمثيلية طاقتها الكاريكاتورية مستمدة وحسب من ابتذالها وعبثيتها ودرجة هبوطها فيما يخص الأول.. والتوعدات قائمة والتهديدات اللفظية متواصلة ومستمرة إلى أن يستفيق الغفَلَة، والنائمون على حرير القوة المتوهمة، والمخادعون لذاتهم، على حقيقة أن الشرق الأوسط قد تغير فعلاً، وأن حقائق استراتيجية جديدة فرضت نفسها، وأن توازن الرعب هو المعادلة القائمة اليوم، وأن التنظيمات الإرهابية الممولة والمسلحة والمدعومة خليجياً وصهيونياً وأطلسياً دفنت الحروب التكتيكية إلى غير رجعة، وأن الحرب – إن وقعت – ستكون شاملة، وقد تصنع شرق أوسط جديداً ومغايراً تماماً، ولربما موعوداً.
بسام هاشم