التراخي بالبرامج الزمنية يثير أسئلة طالما أثيرت..! ثلاثة مشاريع كانت وما تزال معقد الأمل لإحداث تغييرات جوهرية في اقتصادنا الزراعي..!
اثنان منها ليسا وليدي الأزمة بل كانا سابقين لها، فتم متابعة أحدها خلال الأزمة، وتوقف الآخر بسببها، أما ثالثها فمستجدة اقتضتها ظروف الأزمة وآثارها.. ثلاثة مشاريع زراعية على مستوى سورية، اثنان منها لو كانت رياح الأوضاع مواتية لأشرعتها، وسارت كما كان مخطط لها، فنكاد نجزم أن مشهد اقتصادنا الزراعي كان سيكون من مصاف الاقتصاديات الزراعية على مستوى العالم وليس الإقليم، وعلى مختلف المستويات، سواء الفنية التقنية عبر توطين أحدث تكنولوجيا دراسة واستخدامات الأراضي، أم على مستوى الاستثمار الأمثل والأفضل لمواردنا المائية والزراعية، وليس أخيراً على مستوى الوفرة الإنتاجية والنوعية، وبالتالي الإيرادات المالية، وما يعنيه ذلك من زيادات هامة في المداخيل للعاملين في القطاع الزراعي والتصنيع الزراعي..!
من عناوينها
أول تلك المشاريع الوطنية بامتياز، مشروع مسح الموارد الطبيعية والزراعية في سورية باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد ونظام المعلومات الجغرافية “سنارز”، الذي وافقت الحكومة على متابعة المرحلة الثالثة منه بدءاً من هذا العام 2018 حتى 2025، بعد إنجاز مرحلته الأولى قبل الأزمة وتعثر مرحلته الثانية خلالها، حيث كان من المفترض لولا السنوات السبع من الأحداث إنهاء المرحلة الثالثة للانطلاق مباشرة بمرحلة أكثر تطوراً لقطاعنا الزراعي.
يليه أو يسبقه المشروع الوطني للتحول للري الحديث، الذي سنؤخر الحديث فيه، لكونه مقصدنا فما نود طرحه، لنتوقف بعجالة عند المشروع الوطني للزراعات الأسرية الذي انطلق بقوة نتيجة للدعم الكبير من رئاسة مجلس الوزراء وبإشراف ومتابعة مباشرين، وحتى باهتمام شخصي بهذا الملف، ترجم بتأمين كافة المستلزمات الخاصة به، ما أدى لتسجيله نجاحاً لافتاً سجل خلال العام الماضي وفقاً لتأكيدات وزارة الزراعة، حيث بلغت نسبة التنفيذ 100%، وذلك في 11 محافظة ومدينة هي: حلب ودرعا واللاذقية وحمص وطرطوس والغاب والقنيطرة وريف دمشق والسويداء وحماة ودير الزور، الأمر الذي أدى لاتساع رقعة مظلة الدعم الحكومي لتشمل 20300 أسرة ريفية، ومن ثم لتوافق الحكومة على رصد مبلغ 1.5 مليار ليرة لتنفيذ هذا المشروع خلال الموسم الصيفي القادم والشتوي لعام 2018 – 2019، والذي سيشمل ثماني محافظات هي حلب- حمص- حماه- طرطوس- اللاذقية- السويداء- ريف دمشق والغاب.
مقارنة..
في ضوء ما تقدم وبمقارنة ما حظيت به “الزراعات الأسرية” من زخم ودعم ونتائج قياسية في زمن التنفيذ، مع “الري الحديث” الذي أعيد العمل عليه والمقرر أن يشمل مساحة ألف هكتار بكلفة 1.2 مليار ليرة في ست محافظات هذا العام، نجد أن هناك نوعاً من الأولويات التي يمكن تقديرها لا تبريرها، بمعنى إن كانت الحالة المعيشية للأسر السورية عامة والريفية خاصة تفرض مثل مشروع الزراعات الأسرية، الذي نال ما نال من دعم وسرعة في الإنجاز، وهذا مقدر جداً، فلماذا المطمطة بتنفيذ مشروع الري الحديث، فها نحن ندخل الشهر الخامس من العام 2018 ولغاية الآن لم يتم تحرير المبالغ التي رصدت للمشروع خلال هذا العام، لا وأكثر من ذلك نتفاجأ أن المصرف المركزي حالياً ما يزال في طور المذكرة التي رفعها لرئاسة الوزراء قبل أيام، والتي حاولنا معرفة مضمونها لكونها تتعلق بما ذكرنا، لكن لم نفلح كما حال الإدارة القائمة على متابعة المشروع، وجل ما عرفناه أن ما فيها مطمئن ومبشر..؟
وأسئلة..
والسؤال: لماذا كل هذا التأخير للمباشرة والبدء بالتنفيذ رغم – كما علمنا- أن كل الدراسات الخاصة بالتطبيق على أرض الواقع منجزة وجاهزة منذ زمن..؟!
ولماذا لم تجتمع اللجنة العليا لمشروع الري الحديث حتى تاريخه لتقر ما يجب إقراره، وأوله نسبة الدعم التي ستقدم للمستفيدين من المشروع..؟!
ولماذا لا يتم التعاطي مع “الري الحديث” بمثل ما يتم مع “الزراعات الأسرية”، علماً أنها تشكل مع بعضها سلسلة متكاملة من مشروع واحد لا ينفصل في أهدافه ومخرجاته..؟! هذه الأسئلة وغيرها وجب طرحها، خاصة أن عداد فوات المنفعة المتنوع الأوجه والمطارح لا يقف عن الدوران، ولعل التخوف الأول أن يدور المطلوب اتخاذه وإقراره إلى أشهر أخرى.. في الوقت الذي تؤكد الدراسات – على سبيل المثال لا الحصر – أن ما يمكن تحقيقه من وفر مائي يصل إلى ما بين 35 و50% ما يزال مهدوراً، هذا ناهيكم عن غيرها من وفورات..!
بانتظار..!
بانتظار تحرير المبالغ المرصودة لمشروع الري الحديث لهذا العام من قبل حاكم مصرفنا المركزي، نذكر بأهمية إيلاء البرامج الزمنية لمشروعاتنا عامة والزراعية خاصة الضرورة القصوى، إذ بدأنا نستشعر أنها ربما تكون أولوية الأولويات حين الإعلان عن المشاريع، وربما قبل الاعتمادات المالية، وكما يقال: “كل شيء بوقته حلو”..!
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com