جيوبٌ مثقوبة..؟!
بينما نتغنّى بدونكيشوتيّات مكافحة هدر المال العام وترقيع جيوب خزينتنا المثقوبة، تطالعنا أرقام فاقدنا الكهربائيّ بشقّيه الفنيّ والتّجاري والّتي تُلامس في كثير من محافظاتنا نسبة 40% لتصل في بعضها إلى 50% من الطّاقة المُستجرّة، ما يعني باللّغة الرّقميّة هدراً يتجاوز مئتي مليار ليرة!
في ظلّ حالة مُريبة من غضّ الطّرف تطبع سلوك وزارة كهربائنا حيال هذا النّزف حدّ الإغماء في جسدنا الممدّد على سرير العناية الفائقة في ردهات حرب الظّلام بسنيها السّبع العجاف..؟!
الأمر الذي يستوجب مساءلة مسؤولينا الكهربائيين المنوط بهم حراسة هذا المنتج الحيوي بالغ الأهمية في عملية التّنمية بشقيها الخدميّ والاقتصاديّ.
مُساءلةٌ تستحضر وقائع السّطو على الشّبكة العامة – بأعدادها الكبيرة ومحاضرها القليلة الخجولة – من ضعاف نفوس تجرّؤوا عليها إمّا لأغراض منزليّة، أو من أصحاب معامل وورشات في مدن ومناطق صناعيّة، قاموا دونما وازع من ضمير باستجرار الكهرباء بطرق غير مشروعة من خلال السّطو على بعض كبلاتها وخطوطها المغذّية، في حين كشفت بعض الضّبوط عن قيام معامل وفعاليّات صناعيّة بالتّلاعب بالعدّادات، لنخلص إلى نتيجةٍ مفادها: أنّ ثمّة ثقوباً في سلّة الرّدع المعتمدة سوّلت لضعاف النفوس العبور إلى ارتكاب جرم السّرقة والاستهانة بعقابيله..!
وإذ تتكبّد الدّولة fحسب مسؤولينا الكهربائيّين مليارات اللّيرات لدعم شرائح استهلاك الطّاقة، ولا سيّما الدّنيا منها؛ يغدو من المسؤوليّة الوطنيّة بمكان قيام وزارة الكهرباء بإيجاد الآليّات واجتراح الحلول الأكثر نجاعة؛ بما فيها اقتراح مسوّدات قوانين أكثر ردعاً وصرامةً، لضبط الاستجرار غير المشروع للتّيار الكهربائيّ بما يكفل وقف التّعدّي على الشّبكة بما فيه من استنزاف للخزينة وسرقة موصوفة للمال العام.
وهنا لا بدّ من استحضار أسطوانة الوعود الوزارية المكرورة، القائمة على جسر الفجوة بين الإمكانات المتاحة والحاجة الفعليّة للقطر من الطاقة الكهربائيّة التي تنبّأت الوزارة بوصولها إلى نحو 13 ألف ميغا عام 2030، وبكلفة ماديّة تبلغ نحو 11.37 مليار دولار، وما تستبطن من حاجة إلى محطات توليد لتلبية الطّلب على الطّاقة من جهة، والطّلب على حمل الذّروة من جهة أخرى، وكذا ضرورة الأخذ بعين الاعتبار بدائل تعويض الوقود اللازم من المحطات “الكهروريحية”، واللواقط “الكهروضوئية”.
فجوةٌ لطالما اعتبرها مسؤولو كهربائنا هاجساً؛ يغدو معها من الضّرورة بمكان الانتقال من حيّز الوعود بالإفادة من الطّاقات البديلة وتوظيفها كحلول استراتيجية، إلى حيّز الواقع، نظراً لما تكتنزه بلادنا من مطارح غنية لاستزراع الرّياح، فضلاً عن تمتّعها بميزة الأجواء المشمسة، ناهيك بعائدها الكهربائيّ النّظيف بمعادله البيئيّ؛ الذي تحرص الكثير من المنظّمات الدّولية على تشجيعه وتقديم المعونات الماليّة لتشييده..!
والحال أنّه لم يعُد مباحاً التّساهل في قمع التّعدّيات على الشّبكة بأرقامها المفجعة.! وإذا ما كانت الحوافز الماديّة على نسبة الضّبوط للقائمين على تسطيرها ستشكّل دافعاً لإحكام القبضة على لصوص الطّاقة؛ فلتكن هذه الحوافز على غرار ما يتمتّع به موظفو الجمارك من عائد ضبوطهم، وبما يُحصّن في النّهاية: الخزينة، ويُرتّق بعض جيوب المال العام المثقوبة، على التّوازي مع اعتماد سلّة ردع؛ تضرب بيدٍ من حديد كلّ من تسوّل له نفسه فتقها..!
أيمن علي
aymanali66@hotmail.com