تحقيقاتصحيفة البعث

درب الشهادة نهج لا يموت.. الشهداء منارات عز ورايــات كرامــة ترفرف في ســماء الوطن

قبل قرن تقريباً أضاء شهداء سورية بدمائهم فجر طريق لا يعرف إلا البطولة والكرامة، واليوم لاتزال دماؤهم تزهو في أيار، وتعلو منتصرة على جلادها العثماني، فتعاد دورة التاريخ مرة أخرى، وتُكتب ملامح الانتصار مجدداً بدماء شهداء السوريين العظام، والتضحيات الجليلة لجيشهم العقائدي الباسل، تلك التضحيات التي صانت وتصون تراباً مقدساً، ووطناً شامخاً يفتدى بالدماء، تعاد دورة التاريخ وعجلته مرة أخرى رغم بطش الأعداء، واجتماع كلمتهم على أرض سورية لتحطيم إرادة السوريين ومعنوياتهم الصلبة، لكن إرادة السوريين لاتزال تسير على الدرب نفسه، وتعشق الشهادة في سبيل الوطن، والانتصار لكلمته، عشق ينمو وينتقل ويتجدد بالوراثة من أب لطفله، ومن أم لابنتها، ومن شهيد إلى مشروع شهيد جديد، فأي عظمة لتلك الدماء، وأي قدرة تختزنها لإيقاظ نيران الانتصار فيهم دائماً وأبداً مهما ازداد عتو الأعداء، ومهما بلغ بغيهم وبطشهم.

بين حاضر وماض

في السادس من أيار عام 1916 لم تختلف سياسة البطش والإرهاب التي اعتمدها السفاح العثماني جمال باشا بحق السوريين، واللبنانيين، والفلسطينيين الذين اختارهم دونما تمييز، عن تلك الأفعال الإجرامية التي ترتكبها اليوم أدوات العثمانيين الجدد، وورثة آل سعود، ومن لف لفهم من مدعي الحرية التي تقوم على التنكيل والتخريب والإرهاب، مجدداً يحضر السفاح، فذاك الذي علّق مشانق الزعماء والوطنيين السوريين، وأصدر أحكام الإعدام بحقهم في ساحات الحرية في دمشق وبيروت، فاستحق بحق لقب السفاح، لا يختلف عن غزاة اليوم الجدد الذين أرسلوا أدوات إرهابهم إلى سورية ليعيثوا في أرضها فساداً وخراباً، فيقتلون ويرتكبون المجازر المروعة بحق السوريين على اختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم دونما تمييز أيضاً، حب إراقة الدماء وسفكها يجمع بين الجلادين، أما عشق تقديمها رخيصة في سبيل الانتصار فيجمع شهداء سورية الذين كانوا ومازالوا يسطّرون أروع الملاحم من التضحية والفداء لتصان الأرض، ويحفظ استقلالها الذي صنعه آباؤهم الشهداء بدمائهم وتضحياتهم.

نهج متوارث

ولأن درب الشهادة نهج لا يموت، موجود في دماء السوريين بالفطرة، يبدي الكثير من أبناء الشهداء الذين قابلناهم في ذكرى عيد الشهيد معنويات استثنائية تؤكد لأي مشكك اقتراب انتصار سورية، وانفراج غمتها، لاتزال عزيمة عمار نمورة، ذاك الطفل الصغير ابن منطقة ريف دمشق، مصمماً أن يكون طياراً يكمل مسيرة والده الشهيد، فيدافع عن الوطن ويصون كل حبة تراب فيه، ولايزال علي حميدي، ابن محافظة حمص، على عهده الذي قطعه بأن الدماء الطاهرة لوالده التي روت تراب سورية لن تكون إلا الحافز له ليتابع تحصيله وعمله ودراسته، ليكون عالماً، أو مهندساً، أو طبيباً، أو ضابطاً في صفوف الجيش العربي السوري، فكل الطرق توصل إلى درب الشهادة أو الانتصار حين تبني الوطن، وترفع رايته عالياً، ولا يختلف عن هؤلاء الأطفال محمد القاسم الذي يعرف أن بالشهادة وحدها ينتصر الوطن، ويتساءل: كيف سيقوم الوطن دون أن تبذل التضحيات الجسام في سبيله؟ كيف سيقوم إن لم يوجد من يرفع لواء الدفاع عن الوطن، والاستشهاد في سبيله؟.. ومن خير من يقوم بهذه المهمة بعد الشهداء إلا أبناء الشهداء أنفسهم، وليس مستغرباً أن يكون أبناء الشهداء من كل مدن سورية وألوانها وأطيافها، فالوطن كلمة تجمع السوريين تماماً، كما جمعت كل الأحرار منهم قبل قرن تقريباً.

 

فجر الانتصار

في فجر السادس من أيار أثناء الطريق إلى حبال المشانق التي نصبها السفاح في دمشق وبيروت، يتردد صدى أهزوجة: “نحن أبناء الألى شادوا مجداً وعلا‏”، وغيرها الكثير من الأهازيج التي تؤكد عظمة هؤلاء الشهداء المتوجهين إلى ساحات الشرف، والذين خمنوا مصيرهم بقرار مضى فيه العثماني جمال باشا حتى نهايته، رغم كل محاولات ثنيه، فكانوا الشرارة التي أوقدت وأيقظت فجر الانتصار، واليوم تمضي أدوات الإجرام وكل من خلفها في مخططها الإجرامي، فتقتل وتشرد وتستبيح الكرامات، ولكن في المقابل يستمر أبطال سورية يقدمون شهيداً تلو الآخر في صد هذه الهجمات، والدفاع عن كل ذرة تراب في سورية، فهم يدركون كما ردد أسلافهم بأن الاستقلال يبنى على الجماجم، وأن جماجمهم ستكون أساساً لاستقلال بلادهم سورية، وفجر الانتصار قريب ترسمه دماء الشهداء، ونسير عليه نحن وأبناؤهم.

محمد محمود