قمر الأحبة
كل الأنباء وكل الورود توحي لي بقميصٍ قدسيّ المحبة سيعود.. صوتي المجروح يسألُ: أيعود الوهج لتلك الشموع.. كل اللغات تسألُ عن قمر الأحبة وتبكي على قلبي المُشتاق وأنا أبكي طفلي ربيع الذي استشهد في أحد الانفجارات، ورحلت كل الأسئلة التي تسألُ أبي المخطوف متى يعود؟ ما زلتُ أسمع صوته, أشتاقُ شهده، ما زلتُ أتحسس ثيابه, أشعر بأنها آخر قمصان القداسة التي أمسح بها على وجه أيامي، أمسحُ بها وجد كل الخواطر التي تسألني، وكأنها الشموس تُشرقُ له وينبتُ المجد على الأحرار، وكأنه وجه مظلوم يعانق في حزنه تجليات الحلم، يعانق الشوق السرمدي, وهل من معجزة تهتدي إلى هذا الشوق، وهل من ريحٍ تردُّ لنا قمر الأحبة, قمر يوسفي الصبرِ، وتخبرنا بصوتهم المجروح, بأي السجون كانوا يقطنون, ينامُ بعضهم على شوك الأيام، وينتظر بعضهم الآخر أن تُلقى على وجوههم قمصان القداسة, تُلقى وكأنها صراخ يرى وجه والده في المنام ويصرخ متوسلاً أن يجده يمسح له دمع الأيام.. ينتظر وننتظر أن تشرق الشموس وتعود لغات العطر إلى تيجان الورود، إلى قلب تلك الصبية التي تروي وتقول: حبيبي مخطوف في دهاليز السجون.. أسيرُ إليه بأشواقي وأسألُ الزمن أن يهديني إليه، أسألُ الله أن لا يُضيع صبر انتظارنا وانتظار تلك المرأة التي تنتظر أن يعود أقمارها أبناء الحياة، كيف كان حالهم وظلم الأيام يجلد كلاً منهم, يجلدُ بناة النور الحقيقي، وما أشدُ شوقهم اليوم إلى نور الشموس, إلى أبجديات الرطب المُقدس، وما أشدُ شوقنا إلى لمح فيض نورهم, فيض صبرهم, فيض عظمتهم, روايتهم هي وجع آخر يكتبهم فوق تباريح الوقت الأجمل وما أبهاه!
ننتظر قدوم وعدهم نشتاقُ إليه, نشتاقٌ أن نكتب جزيئات لغته المظلومة، نشتاقُ قمر الأحبة أن تُشرق أنواره, نشتاقُ ابتهالات صبرهم المٌقدس، نشتاقُ أن نضمهم زمناً آخر يبكي اشتياقاً يوسفي الأحزان.
نشتاقُ أن ننسى ذاك الزمن الثاكل, ودمعة كل يتيم يسألُ عن أبيه, عن نور لعيني زمانه.. نشتاقُ اللغات كُلها أن تأتي إلى بيوتنا وتُضمّد شيِئاً من جراحاتنا, نشتاقُ أن يصفرُ الألم على بعض أشجارنا, أن يُزهر الياسمين كرامةً ويعود الحبق إلى ديار الأحبة ويُقدس العطر الأخضر وكأنه الميلادُ القدسي، وكأنه صوت الشهيد الذي يقول: ذبحوني من الوريد إلى الوريد, واليوم بنصركم يُعادُ للشمسِ نورها وذاك العيد، اليوم تُدحر أبواب السجون, وتطل علينا حكايات مجروحة الشروق, الأبجديات تُكتبُ من جديد, أقمارها تعلو كبد الحياة رغم عصف الأيام المجنون, رغم ظلمة السجون وظلم الطاغية.. أقمارها روايات ملوّنة العصفِ والمجدِ في آنٍ معاً، تشبه ذاك الليل المظلم الذي وضعناه في آنيات الحلم وتخيلنا في كبده, تخيلنا أن يعود كل مخطوف، وتعود لغة النور إلى كل العيون, تخيلنا الإعجاز الإلهي, وإذ به يأتي إلينا, ويد الأبطال تمسحُ دمعُ الأيام, ويعودُ كل مخطوف وتشرقُ شمسُ الأحبة ويُطاول قمحها شاهقات المجد المُجتبى, شاهقات الأحزان وهل يذوبُ ثلجها، ويُقدس العودُ ويكون ميمون الأعياد، ميمون الفرحة الأقدس والأجمل لكل الأحبة.
منال محمد يوسف