بين الواقع والخيال.. ينتصر الجندي الهوليودي
يبدو أن السينما الهوليودية هي المنبر الوحيد هذه الأيام لنشر الديمقراطيّة والحريّة الأمريكيّتين، فمع فشل التدخلات الأمريكية العسكرية في كل مكان وانكسار هيبة الجندي الأمريكي خلال الأعوام الماضية، لم يجد صناع السياسة الأمريكية على ما يبدو إلّا السينما للتنفيس عن رغباتهم وعنجهياتهم، وكأنه التعويض عن النقص، وآخر حيلهم طرح فيلم “12 الأشداء”.
لم يكن اختياري الحديث عن هذا الفيلم، وأحداثه- كما يزعم المؤرخون- مهدت للنصر الأمريكي المزعوم في أفغانستان، عبثياً فقد استفزتني تلك الرسالة الفاسدة والتوجيه المنهجي والسياسي الذي يتضمنه العمل، صحيح أنه تمّ الاستعانة بأحداثٍ حقيقيةٍ هذه المرة لإضفاء الواقعية والمصداقية، فهو يكرّس أخلاق الجندي الأمريكي الوفي لوعده والمقدام الفدائيّ لأصدقائه وفوق هذا كلّه الدائم النصر، ولكنه أيضاً ينطوي على خبثٍ حقيقي باستغلال الفوضى التي تعيشها الكثير من البلدان ما يبقي عقول ناشئتها ومراهقيها متلهفةً لأي إلهاء يقدم لها عن واقعها، فينطبع في الأذهان وَهمُ البسالة والشجاعة التي يظهرها ذاك الجندي الأمريكي المقدام، الذي يضحي بنفسه بعيداً عن دياره لإسكات أعداء الإنسانية.
يستوحي الفيلم أحداثه من كتاب “Horse Soldiers/جنود الحصان” أحد أكثر الكتب مبيعاً للكاتب والمؤلف دوغ ستانتون، وهو من إخراج نيكولاي فوغلزيغ وكتبه بيتر كريغ وتيد تالي، ويندرج تحت تصنيف أفلام الحروب التاريخية والدراما والحركة.
بعد فترة وجيزة من هجمات 11 أيلول، يتوجه فريق من القوات الخاصة إلى أفغانستان، والذي يقوم بالتعاون مع مجموعة من المحاربين اﻷفغان في سبيل التغلب على حركة طالبان التي تحكم أفغانستان منذ منتصف التسعينيات.
يقود الفريق النقيب نيلسون (كريس هيمسورث)، من بين رجاله ضابط الصف الأقدم والأكثر خبرة، هال سبنسر (مايكل شانون) وخبير الأسلحة بن ميلو. تأتي أوامرهم من الكولونيل مولهولاند (وليام فيشتنر). مهمتهم دخول شمال أفغانستان عبر أوزبكستان بمساعدة قائد الحرب الأوزبكي الجنرال دوستم (نافيد نيغابان) الذي لديه أسبابه الخاصة لمقاومة طالبان، لكن على الرغم من التدريب المكثف والشجاعة اللامحدودة، فإن القوات الأمريكية لا تدرك أنها ستضطر إلى اجتياز هذه الأرض التي لا ترحم- التي دمرت إمبراطوريات على مرّ القرون- على ظهور الخيل. وسيتعين عليهم القيام بذلك قبل أن يأتي الشتاء محملاً بالثلوج والصقيع في غضون ثلاثة أسابيع. ولم تكن مهمة الجنود الأمريكيين لتنجح دون الحصول على المساعدة والتدريب من تحالف الشمال وفي مقدمة قيادييه الجنرال دوستم، السياسي الأفغاني وأمير الحرب السابق والذي يشغل حالياً منصب نائب الرئيس الأفغاني.
إن تمثيل أحداث ووقائع حقيقية يتطلب الدقة والجهد الكبيرين، ولكن هذا لا يعني أن يكون العمل مقيَّداً تماماً وخاضعاً لحدود القصة بأي شكل أو وسيلة. وفي سرد معادلة البطولة هذه، الحياة الحقيقية ضد الصعاب المذهلة، إثارة تهدف إلى تحريك مشاعر متساوية من الوطنية والحماسة.
يمتلئ “12 الأشداء” بسلسلة متواصلة من المعارك المليئة بالقنابل التي تصم الآذان، وكميات لا نهاية لها من الرصاص. التأثير التراكمي هو استنزاف نفسي بحيث تخرج من صالة السينما وكأنك أيضاً ذهبت إلى الحرب، مع التقدير الكبير لأولئك الذين لديهم الشجاعة الكافية للقيام بذلك بأنفسهم. وعمد القيّمون على العمل إلى إضفاء إحساس بالواقعية الصارمة عليه وإضافة الصوت النابض بالحياة زادت من حدّة التوتر.
قصّة جذّابة نوعاً ما، ولكن مشاهدها سخيفة أيضاً، جنود أشداء مربوطون بمعدات وأسلحة عالية التقنية، يركبون الخيول ويواجهون الدبابات الضخمة وقاذفات الصواريخ. ونجح التصوير في إعطاء شخصيّة هيمسورث التميز عن غيره بكل خطوة يخطوها وخاصة في المعارك.
إحدى الديناميكيات الأكثر إقناعاً، الطريقة التي يقلّل بها الجميع من شأن نيلسون، وهو ما لا تتوقعه عادةً من شخصية يقوم بها هيمسورث. هو جميل وصغير، لديه القليل من الخبرة الميدانية، ويجب عليه أن يثبت نفسه باستمرار.
استعان المخرج بأحد أستاذة التاريخ الإسلامي، للتعرف أكثر بتفاصيل شخصيّة دوستم- الأصعب والأبعد بين شخصيات العمل لبيئة الممثلين- بشكل موضوعي وتجنباً للتأثر بالأخبار المتداولة عنه. وبدأ عرض الفيلم في الصالات الأمريكية بداية هذا العام.
لا يهتم الفيلم على حدّ تعبير النقاد الأمريكيين تحديداً “بالتعمق بشكل كبير في التأثيرات الأكبر لمشاركة الولايات المتحدة المطوّلة في أفغانستان. هذا ليس غرضه، وهذا ليس سبب حضور الفيلم وإنما للشعور بالرضا، ولو لبعض الوقت، عن بعض الرجال الذين كانوا رائعين”. وهذا ما يعيدنا إلى نقطة البداية ويؤكد تحليلنا، إذاً هي حرب غسل العقول وإدارة الرأي العام، فهل سيكون بجعبة درامانا العربيّة الرمضانية القادمة ما يترصد مثلَ هذه الأعمال وينفض ولو قليلاً الغبار عن عقول شبابنا؟.
سامر الخيّر