النظام السعودي في سباق مع الزمن لأجل البقاء
جيوبوليتيكال فيوتشرز
دخلت المملكة العربية السعودية في سباق مع الزمن لتنفيذ الإصلاحات الضخمة التي تأمل في الحد من اعتماد اقتصادها على النفط، وتجنب الاضطرابات الاجتماعية عندما تنخفض أسعار النفط حتما، ويجب على الحكومة القيام بذلك دون التخلي عن سيطرتها على البلاد. وإنه لأمر شاق لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة، والذي يبدو أنه، بكل المقاييس، قد استحوذ على سلطة كافية ليحاول على الأقل تنفيذ الإصلاحات.
وهناك الكثير من الأسباب للشك في نجاحه في هذا، لكن هذه المشكلة لن تظهر أبعادها إلا في وقت لاحق. أما في الوقت الحالي، يبلغ سعر خام برنت 75 دولارا للبرميل، وهو أعلى بقليل مما أعلنه صندوق النقد الدولي كنقطة تعادل في المملكة، مما يمنح الحكومة مزيدا من العائدات، ومن ثم المزيد من مجال التنفس لتغيير طريقتها.
الوقت والمال
ومن الصعب تحديد المدة التي سيستمر فيها ذلك. وترتفع الأسعار بفضل مزيج من تخفيضات منظمة أوبك، واتفاقات خفض الإنتاج بين المملكة وروسيا، وانخفاض مخزونات الولايات المتحدة، والمخاوف من أن يتسبب انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية بالإضرار بالإمدادات الإيرانية. وقد ارتفعت الأسعار على الرغم من زيادة إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، وهو أمر منطقي، بالنظر إلى أن منتجي الصخر الزيتي يزيدون الإنتاج حالما تتجاوز أسعار النفط نقاط التعادل الخاصة بهم، والتي تتراوح ما بين 35 و70 دولارا للبرميل.
غير أن زيادة الإنتاج تستغرق وقتا ومالا. ويجب حساب تكلفة تطوير الآبار غير المكتملة، وكذلك تكلفة النقل إلى السوق. وتعد خطوط الأنابيب خيارا جيدا في هذا الصدد، ولكن بعض خطوط الأنابيب تقترب من السعة القصوى تقريبا. وثمة خيار آخر هو النقل بالشاحنات، وهو أمر يتطلب المزيد من الوقت والمال. كما أن العوامل الدورية الأخرى، بما في ذلك الطلب على مكونات حفر البئر، تؤدي إلى زيادة التكاليف وتحول دون وصول النفط إلى السوق.
ويعني التأخير استمرار ارتفاع أسعار النفط حتى يتمكن منتجو النفط الصخري من التغلب على الحواجز قصيرة الأجل أمام الإنتاج. وبالفعل، فقد بدؤوا يفعلون ذلك. وقد ارتفع عدد الحفارات النشطة في الولايات المتحدة بشكل مطرد منذ منتصف عام 2016 وارتفع الإنتاج بشكل ملحوظ. وفي أيار، تقدر إدارة معلومات الطاقة أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة سوف يرتفع إلى 7 ملايين برميل في اليوم، بزيادة قدرها 15% مقارنة مع شهر أيار الماضي.
وعلى الرغم من أن 75 دولارا للبرميل الواحد من النفط قد تخفف من بعض المخاوف المالية المباشرة للسعودية، إلا أن الاتجاه طويل الأجل لا يزال قائما، فزيادة الإنتاج في الولايات المتحدة ستؤدي إلى انخفاض الأسعار. وتعرف المملكة هذا، ويجب عليها أن تتحرك بسرعة للاستفادة من الأسعار المرتفعة الحالية. ويتوقف مدى سرعة عملها على مقدار الأموال التي تحتاجها فعليا لتمويل إصلاحاتها الطموحة.
الشائعات القابلة للتصديق
لكن كم من المال سوف تربحه المملكة؟ هذا ما ننتظر لنراه، ويضع صندوق النقد الدولي سعر التعادل في المملكة العربية السعودية عند 73 دولارا للبرميل، من الناحية النظرية، مما يمنح الرياض فائضا في الميزانية عند الأسعار الحالية. لكن قد تختل تقديرات صندوق النقد الدولي بنسبة تصل إلى 20%، حتى في نفس العام. وعلى أي حال، في حين يتعزز إنتاج النفط الصخري في السوق، فمن المرجح أن تنخفض أسعار النفط، مما يزيد من الضغط على الميزانية السعودية. ولا عجب إذن أن الحكومة السعودية تحاول يائسة تنويع مصادرها في الإيرادات غير النفطية، وقد نجحت إلى حد ما. فقد زادت الإيرادات غير النفطية كنسبة من إجمالي ميزانية الحكومة من 8% عام 2012 إلى 37% تقريبا في عام 2017، بمعدل نمو سنوي يبلغ نحو 20%.
ومع ذلك، في نفس الفترة، انخفضت عائدات النفط إلى حد كبير، بحيث انخفض إجمالي الميزانية بنحو 45%، من نحو 330 مليار إلى 185 مليار دولار. وبعبارة أخرى، يبدو أن نصيب الإيرادات غير النفطية قد ازداد إلى حد كبير، وذلك لأن الميزانية الإجمالية تقلصت إلى النصف تقريبا. وإذا كانت السعودية تحقق عائدات غير نفطية في عام 2012 كما هو الحال اليوم، فستكون حصة العائدات النفطية أقل بكثير، بنحو 18%.
وتتوقع الحكومة السعودية أن يتجاوز الإنفاق إيراداتها في عام 2018، وتقدر العجز بأكثر من 50 مليار دولار، أو ما يقرب من 7% من الناتج المحلي الإجمالي. وبصرف النظر عن زيادة الضرائب، وهو أمر قامت به بثبات على الرغم من المخاطر السياسية، فلا يوجد سوى 3 طرق يمكن من خلالها تمويل هذا الفارق، استخدام الاحتياطيات، والبحث عن الاستثمار الأجنبي، ومصادرة الأصول من النخبة. وفي شباط 2018، كان لدى المملكة نحو 487 مليار دولار من الاحتياطيات، بانخفاض بلغ 5% عن شباط الماضي، وبنسبة 33% عن ذروتها في عام 2014.
وإذا كانت المملكة ستحافظ على عجز الإنفاق بنفس المعدل المتوقع في عام 2018، فسيكون لديها نحو 10 أعوام لتآكل احتياطياتها. وبطبيعة الحال، إذا انخفضت عائدات النفط دون انخفاض متناسب في نفقات الإصلاح، فإن العجز سينمو، وستتقلص سرعة النمو.
ومن غير المستغرب أن تفضل المملكة زيادة الاستثمار الأجنبي من خلال التدبير الأكثر شهرة في هذا الصدد وهو الطرح العام الأولي لشركة أرامكو السعودية. إلا أن هذا العرض لا يزال يتأجل، وفي حين أن وزير الطاقة السعودي قد يستشهد بتعقيدات “التقاضي والمسؤولية”، فإن السبب الحقيقي هو على الأرجح عدم قدرة المصرفيين السعوديين على الوصول إلى تقييم “2 تريليون دولار” الذي يسعى إليه محمد بن سلمان. وفي هذا التقييم، يساوي البيع المتوقع لنسبة 5% من الشركة 100 مليار دولار تحصل عليها المملكة، في حين أن تقديرات السوق الأكثر محافظة إلى حد ما، والتي تتراوح من 500 مليار دولار إلى تريليون دولار، لن تجلب سوى ما بين 25 مليار و50 مليار دولار فقط.
كما تحولت الرياض أيضا إلى أسواق الديون، حيث أصدرت 17.5 مليار دولار في أول سندات ديون لها مقومة بالدولار في عام 2016، و11 مليار دولار آخر هذا الشهر (نيسان). وعلى الرغم من أن تقييم “A1” من وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني قد يعطي بعض الثقة للمستثمرين، إلا أن الواقع هو أن المملكة لا تزال تتعثر في حرب بالوكالة في اليمن، وتنشغل بإيران، منافستها الإقليمية، التي تتمتع بوضع جيد لاكتساب المزيد من القوة. ومن المؤكد أن أي تطورات جديدة في الصراع الأوسع في الشرق الأوسط يهدد بجذب المملكة، مثل حرب بين إيران وإسرائيل، من المؤكد أنها ستجعل المستثمرين الأجانب حذرين، وسوف تحد من قدرة السعودية على الوصول إلى رأس المال الخارجي.
كما صادرت الحكومة الأصول والأموال من نخبة المملكة، وبحسب المدعي العام السعودي، فإن القبض على 400 من أعضاء الحكومة والأمراء ورجال الأعمال في العام الماضي قد أنتج 106 مليارات دولار من الثروة المصادرة. ويساعد هذا بلا شك على سد الفجوة في الوقت الحالي، ولكن هناك حدود لمدى قدرة الحكومة على الاستيلاء على الأموال دون مواجهة مقاومة أكثر تضافرا.
وفي كل ما يقال، لا تقترب المملكة من حافة الانهيار، ولكن الشائعات حول انقلاب وشيك في القصر نهاية الأسبوع الماضي لا تبقى بعيدة عن التصديق. لكن المملكة تحتاج إلى تحويل اقتصادها جذريا في وقت قصير نسبيا، في حين تواجه التهديدات الأمنية الإقليمية. وبهذا فإن الحاجة إلى التحرك بسرعة أمر بالغ الأهمية، لأن الانقسام الداخلي سيشغل تركيز النظام، ويمنعه ??من مواجهة تهديداته الخارجية بفعالية.
ويجب أن تتضافر الكثير من الجهود المملكة العربية السعودية لتحقيق أهداف الإصلاح بعيدة المدى، وفي سجلات التاريخ، نادرا ما تكون الدول محظوظة في مثل هذه المراحل من التحول.