حضارة سقطت أمامها أكبر القبعات
فقط في أيام الحرب تُخلق اغرب قصة حبٍ ابطالها الحياة والموت.. فالمسافةُ بينهما لحظة.. لحظة يُكسر فيها حاجز الزمن..
تذوبُ فيها آمالك، حياتك، ومشاعرك بإرادتك أو بغير ارادتك.. تُنسجُ تلك القصة بخيوطٍ خفية لا تعلم من اين أتت أو كيف بدأت..
السماءُ هنا تنهمر بالغيث الطاهر والقذائف الحاقدة معا في آنٍ واحد.. تلك القذائف الحانقة لا تُبقي ولا تذر تطال حتى رجلاً تحت خط الحياة.. رجلٌ لا يريد من دنياه إلا قوتَ يومه ورغيفَ عيشه لكنَّ رغيفهُ اليوم بمذاقٍٍ مختلف مذاق الموت..
كان يسمعُ صوتَ تلك القذائف والان.. عاينَها خَبُرَ طعمها وغربت شمسه.. غربت بعدما تآمرت عليه دولٌ باسرها..
دولٌ على نَحيبها لحرق بعض اليهود والآن تُصفّقُ لمن سلب حياة شعبٍ بأكمله..
هكذا يباعُ الموتُ رخيصاً في حياة يحدّها الهلاك من كل الجهات.. من اليوم لن يَفتح بابَ بيته ولن يُهرع اليه صغاره سيظلُّ مغلقاً تخنقهُ عتْمةُ الليلِ وصمته.. من اليوم ستبكي زوجه صامتةً بعينين من جَمر..
صامتٌ لو تكلما لفظَ النارَ والدما
قلِّ من عابَ صمتهُ خلقَ الحزمُ أبكما
لا تسلْ عن سلامته روحه بين راحته بدّلته همومه كفناً من وسادته
عندَ الموت تقفُ الكلمات وتسكتُ الإشارات والعبارات.. وهو الشيءُ الوحيد الذي لا نستطيع ان نختبرهُ ونصفه بل نراه من بعيد وكأنِّ النهاية هي المعنى الحقيقي لكل ما حولنا.. ترى كل ذلك في برهةٍ من الزمن..
في الحرب وفيها فقط عليك أن توطّنَ نفسك أنك قد تفقد كلَّ شيء في لحظة.. لحظة تختصر عمرك كلّه ترى فيها كدح وتعب السنين ماثلاً أمام عينيك كبيت من الرمل يُهدم بموجة ٍمن البحر..
اعلم يومئذٍ أنه باستطاعتك التغلّب على تلك اللحظة.. باستطاعتك هزيمتها.. هَدْمها من جدار الزمن بقوة الحق وثباتك عليه.. فماذا عساها ان تفعل في مواجهة حصون حضارةٍ أخذت قوتها من السماء امتدت آلاف السنين والافها..
حضارة سقطت امامها أكبر قبعات الدنيا.. حضارة أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء.. اثمرت رجالاً حقيقيين
رجالٌ لا تلهيهم حفنةٌ من نقودٍ ولا زيفٌ كاذب عن واجبهم المقدس
هيهات ان ننسى ما مرَّ بنا.. سنحشدُ الطّاقات ونسخّر الأقلام ونأخذ الحق َّبالحق.. لنكون سطوراً محفورةً في سجلّات التاريخ يقرؤها الناس بعد ألف سنة.. فاعلم أنها لن تدوم فما هي الا برهة وستنتهي بل تموتُ في خطّ الزمن فالتاريخ يقول إنّ لحظة الباطل لا تستطيع مقاومةَ دهر توهّج َ نوره بالحق.
إباء فاروق هواش