“فوضى”.. خطّ النهاية ليس بعيدا
بفرح غامر استقبل المجتمع الدرامي السوري، خبر عودة الكاتبين “حسن سامي يوسف” و”نجيب نصير” في العام الماضي عندما، أعلنا عن بدء العمل على نص مشترك، فالجمهور يعرف أن أعمالهما المشتركة هي من أفضل الأعمال التلفزيونية المحلية، إن لم نقل الأفضل، يكفي أن نتذكر مسلسل “الانتظار” أو مسلسل “زمن العار”، المسلسلان يقتربان من الكمال، في كافة التفاصيل والعناصر الدرامية.
ومما زاد في الآمال عندها، أن “الليث حجو” وهو مخرج غني عن التعريف، كان يتابع عمليات كتابة “فوضى” أول بأول، ورشة حقيقية كانت تعتني بكافة تفاصيل النص، وعند الوصول إلى الحلقة 17، بدأت نُذر فشل المشروع، تلوح في الأفق مع شائعات، عن خلافات بين الكاتبين وبين المخرج، فالأخير لم يكن راضيا عن القصة تماما كما تناقلت الشائعات التي سرت في الوسط الدرامي، فإنهاء المسلسل في الحلقة 17 يكفي للقصة، ولا مبرر ل 13 حلقة إضافية بعدها للوصول إلى الثلاثين حلقة، وسرعان ما انفرجت الأمور وتواصلت عملية الكتابة، إلى أن بدأت خلافات جديدة من نوع آخر، وذلك بإعلان الجهة المنتجة، عن تأجيل المشروع للموسم القادم، مما دفع بالكاتبين إلى التنديد بذلك؛ كلام كثير صدر عنهما، بخصوص أن في ذلك غبن للمشتغلين على المشروع، والذين كانوا يأملون بتقاضي مستحقاتهم المالية المتأخرة، أما المخرج فقد أطلق صرخته المدوية عندما قال: “لن أعمل في سورية حتى إشعار آخر”؛ هذا المخرج عما قليل سيظهر على الشواطئ التونسية، في مسلسل ليس له أي مبرر أن يكون خارج الشواطئ السورية، غير أن يبر المخرج بوعده المتعمق في الانتماء، ولكن الأمور سوف تُفرج من جديد أيضا، وذلك بتعيين مخرج جديد للعمل، ولكنه سيخفق في اللحاق بموسم رمضان 2017، ليس بسبب مشكلة في النص ولا في عمليات التحضير؛ فالفريق من المحترفين، والكاتبان من أهم كُتاب السيناريو في البلاد، والمخرج الجديد للعمل، له أعمال مهمة، فاز أحدها بجائزة عالمية منذ مدة قريبة؛ ولكن المشاكل السابقة، هي التي تسببت في تجميد الإنتاج، ولذلك تأخر عن الموسم الماضي.
الظروف الشاقة التي رافقت مسلسل “فوضى” في عملية الإنتاج، وذلك بدءا، من عودة الكاتبين للعمل سوية بعد فترة طلاق فني، قام كل منهما فيها بالكتابة منفردا، فأنجز أحدهما نصا مقتبسا عن عمل أجنبي، سيقول عنه لاحقا، بسبب خشيته من إيقاف مسلسل “فوضى”، على هامش السجالات التي صاحبت قرار تأجيله، سيقول ما معناه أرجوكم لا توقفوا مسلسل “فوضى” لأني أخشى أن أموت ويكون مسلسل “تشيلو” آخر أعمالي!، ما يعني أنه فشل بمفرده فشلا ذريعا، أما الكاتب الآخر، فقد أنجز “الندم” في إعادة تدوير لـ “شجرة النارنج”؛ ابن ضال، يعود فجأة في نهاية العمل، لا نعلم لماذا غادر، ولكن نعلم أنه عاد لإنهاء القصة، وابن جشع ثم نكتشف في الربع ساعة الأخيرة أنه شهم وطيب، وابن مثقف يحكي لنا القصة بالتعاون مع المخرج؛ عودة الكاتبين للعمل معا كانت بشرى سارة، بتجاوز أعمال ضعيفة من هذا النوع، والعودة إلى ألق “عبودة، غليص “.
الإحاطة بصعوبات إنجاز العمل لم تقتصر على تلك الخلافات فقط، البعض كان يخشى، أن تكون القصة، غير صالحة لجمهور ما بعد الحروب التي عصفت بالمنطقة، فالكاتبان لديهما مهارة في تناول عالم أو مجتمع ما قبل 2011، فأحدهما، بسبب نقص المهارة في الإلمام بالمجتمع الراهن، مجتمع الحرب وما بعدها، اشتغل على قصة، منفصلة عن الزمن والواقع، تدور عن رجل عرض على رجل آخر أن يأخذ زوجته، أما الثاني، فقد اشتغل على قصة قديمة تدور قبل الحرب بسنوات عديدة، وقام بتطعيمها، بعدد من مشاهد عالم الحرب، ما اضطر المخرج إلى تقديم تلك المشاهد القليلة، نسبة إلى كتلة القصة، بالأبيض والأسود، لكي لا يلتبس الأمر على الجمهور، ما يعني أن الكاتب لم يزل في الماضي أيضا.
الخشية من أن يبدو مسلسل “فوضى” قديما، ليس لها ما يبررها، فالقصة تحتوي على العديد من ملامح الأزمة الراهنة؛ بالتأكيد لن يفوت الكاتبان أن غياب راهنية القصة، يجعلها غير ملائمة لعالم الآن، لذلك الجمهور الآن على موعد مع مسلسل يعيد للدراما السورية ألقها الماضي، فالظروف العصيبة التي ترافق عملا فنيا ما، تزيد من احتمالات نجاحه، وعادة ما تكون الأعمال المنجزة ضعيفة، المسلسل كما ذكرنا كان بلحظة التقاء كاتبين كبيرين، في ظروف عصيبة تمر فيها الدراما المحلية، كاتبان كل منهما يمتلك ثقافة، وإلماماً هائلاً بعالم السيناريو، مع مخرجين من أهم مخرجي الدراما المحلية، ينجز ويحكي عن مرحلة غير طبيعية تمر بها البلاد، مليئة بالقصص والشخصيات، تحترم الجمهور وذائقته الفنية، ما يجعل المتلقي العربي، على موعد مع مسلسل سوف ينقذه من لوثة “البان-آرب”، والأعمال المقتبسة من عوالم أخرى، العمل محلي بامتياز، وذلك على مستوى النص والإخراج وأماكن التصوير، اشتغلت عليه أسماء لطالما ارتبطت بالأعمال الناجحة، وهذا ما يجعله بصيص أمل، في عتمة الدخلاء على الدراما.
تمّام علي بركات