الأيام الثقافية لكلية الآداب والحفاظ على التراث
تضمنت فعالية الأيام الثقافية التي أقامتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية معرضاً للحرف والمهن اليدوية، وعن أهمية ودور هذه الأيام في تثقيف الطالب السوري والتعريف بالتراث الحضاري والشعبي، صرحت د. فاتنة الشعال عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية قائلةً: تراثنا كاد أن يفقد، كالحفر على النحاس والدامسكو والموزاييك والزجاج المعشق، وأوروبا جذبت الحرفيين الأساسيين وأغرَتهم، وهذا المعرض أَبرَز الحرفيين الذين اختاروا البقاء في الوطن، ورفضوا المغريات الخارجية، والسؤال الذي يحضر هنا كيف نسمح بأن يحافظ الغرب على تراثنا في الخارج ونحن نتخلى عنه، من هنا أهمية الأيام الثقافية. وقد نوّه الحرفيون من خلال الندوات إلى آلية الحفاظ على هذه الحرف والتراث، وهذا ما يحتاج الطالب الجامعي معرفته (يوجد عدم اهتمام ولا مبالاة من طلابنا بأهمية هذا المعرض، فقد كاد طالبنا أن يفقد هويته) ومهمة هذه الأيام الحفاظ على هويتنا السورية وربطنا بالتراث، وكانت المبادرة شخصية من الحرفيين، أحبوا أن يشاركوا في الفعالية ليعرّفوا الأجيال السورية الشابة على حرفنا اليدوية وتراثنا الشعبي، وقمنا بربط الحرف الموجودة بمحاور الندوات التي تعقد يومياً خلال فترة الأيام الثقافية، كالرسم على الزجاج، آلية عمل الموزاييك، تدمر.. الآثار والحضارة، لمحة عن الحفاظ على آثار سورية بشكل كامل، وهناك محاضرات أخرى تلقى تباعاً منها: الحرف التقليدية، الحضارة العربية، الآثار السورية، قضايا القدس، كما تمّ إحداث ماجستير التراث الشعبي في هذا الوقت لربط الجامعة بالمجتمع والحفاظ على تراثنا السوري. هذه الفعالية ناجحة بقوة بشهادة الجميع، ويذكر أن أول أيام ثقافية كانت العام قبل الماضي وغابت العام الماضي لتعود بقوة ونجاح منقطع النظير هذا العام.
أيضاً تمّ افتتاح المكتبة المؤتمتة للكلية على هامش الأيام الثقافية، وقريباً جداً سيصار إلى تفعيل نافذة خدمة المواطن شبه الالكترونية، والتي تسهل المعاملات على الطلاب وتضمن حقهم وعدم التلاعب، وهي الخطوة الأولى في طريق أتمتة الكلية وبالتالي الجامعة ككل.
وعن مهنة الزجاج المعشق، حدثنا الحرفي فايز تلمساني عنها أنها مهنة قديمة جداً ترجع لأكثر من 3000 سنة في دمشق، وكانت غالبية البيوت الدمشقية ودور العبادة تتزين بالزجاج المعشق، وتمتاز بأنها تعطي جمالية وراحة لذلك كثر استخدامها قديماً، وتتألف من ثلاثة أنواع: زجاج معشق مع الرصاص أو الجبصين أو الخشب، أما استخدام الرصاص فهو شبه منقرض لما له من آثار مسرطنة، ويستعمل الخشب مع الزجاج بحالة واحدة فقط هي الخيط الهندسي عندما يكون هناك خطوط مستقيمة وأشكال هندسية، بينما استخدام الجص، بقي الأكثر شعبية وقد اكتسبت هذه الحرفة تسميتها من ترابط وتمازج الزجاج مع الجبصين الذي وصف بالعشق، وانطلقت هذه التسمية إلى العالم، إلا في اليمن، حيث تعرف باسم “قمريّة” فقد كانوا يستخدمونه قبل اكتشاف الزجاج حجراً عرف باسم الكوارتز يجذب ويشذب ليصبح رقيقاً جداً فيعكس ضوء القمر ومن هنا جاءت تسميته. وهناك نوع من هذه الحرفة يسمى الزجاج المعشق الدمشقي ويكون الزجاج على الطرفين وهي حرفة يتميز بها السوريون فقط في جميع أنحاء العالم، فأينما وجدت كان صانعها سورياً دمشقياً.
وعن الأعمال النحاسية كان لنا لقاء بالحرفي أحمد راتب الضعضي، الحاصل على جوائز من الهند وإيران بالديكور النحاسي والفوانيس، إذ يرى أن هذا المعرض يكتسب أهميته من تعريف الطلبة -وهم الهدف الأول من إقامته- بتراث سورية وحرفها التقليدية، للأسف هناك الكثير من المثقفين وحتى أساتذة الجامعة ممن لا يملكون فكرة عن أصالة وعراقة هذه المهن والحرف التي تعتبر جواز السفر السوري إلى الخارج للتعريف بحضارتنا وتقاليدنا، وتحدث عن مبادرة جمعية الوفاء للتنمية السورية التي ترعى أسر الشهداء، والتي قامت حالياً بتخصيص أماكن لإقامة دورات لتعليم وتدريب ذوي الشهداء على هذه المهن.
وعن هجرة الحرفيين وتبنيهم في الغرب وخصوصاً في ألمانيا وتركيا، يراها نتيجة بعض القوانين وجور الجمعيات التي ترعى الحرفيين كجمعية الشرقيّات، ويتساءل عن سبب التضييق من قبل البعض، فالحاضنة التي خصصت للحرفيين في معمل الإسمنت سابقاً في دمر، تبلغ أجرة المتر 20 ألف ليرة بينما قام الاتحاد العام للحرفيين مشكوراً بتخصيص جناح في مدينة المعارض مجاني ومخدم بالكامل للحرفيين.
ولمهنة صناعة الطرابيش مكانها وعنها يقول الحرفي أنس غنام: هدف المشاركة إحياء ذكرى على وشك الاندثار، حتى ظنّ البعض أنها حكر بالمسلسلات والتصوير. وهذه المهنة ما زالت موجودة ومستمرة والطلب عليها كبير، قد لا يشاهد “الطربوش” في مدينة دمشق إلّا نادراً ولكن الإقبال عليه جيد خارجها.
وشجع المعرض ذوي الاحتياجات الخاصة المشاركين، الذين عبروا عن سعادتهم بهذا المعرض وعن كثافة الإقبال والتشجيع، على التعريف بمنتجهم وعملهم والبيع حتى، يقول الحرفي وسيم حلواني المختص بالصناعات الحيوية كالعطورات والزيوت والحلاوة العربية، هذا أنجح معرض حرفي أشارك فيه منذ 1998.
وكان لطلاب قسم الآثار مشاركة أيضاً، وعنها قال الطالب علاء غانم: آثارنا شبه منسية عبر الزمن لذا قمنا بعرض أعمال لطلاب القسم تمثل الحراك الحضاري والتاريخي السوري، إضافة لبعض المقتنيات الأثرية للبعثات الاستكشافية الطلابية، كجمجمة الجمل السوري التي يرجع عمرها لـ15 ألف سنة قبل الميلاد وجمجمة الثعلب السوري والحربات والسهام العائدة لعصور ما قبل التاريخ.
ونظراً للإقبال غير المسبوق على المشاركة بأيام الآداب الثقافية ومعرض الحرف، تقرر تخصيص أماكن إضافية لاستيعابها، ومنها مكتبة الكلية بشكل كامل. وكانت فعاليات الأيام الثقافية قد بدأت في 29 نيسان الماضي وتختتم اليوم بتوزيع الشهادات والجوائز على المشاركين علماً أن أيام المعرض شهدت تكريماً يومياً لبعض الحرفيين تقديراً لمشاركتهم وإسهامهم في إثراء التراث الحضاري والشعبي السوري.
وقد ساهمت في فعالية الأيام الثقافية العديد من الفعاليات، المتمثلة بالاتحاد العام للحرفيين والأمانة السورية للتنمية ومؤسسة القدس وجمعية التراث الشعبي وجمعية أصدقاء سورية وملتقى سحر الشرق وجمعية الوفاء التنموية السورية وجمعية الخطاطين والنادي العربي والمنتدى العربي وجمعية الرسم وكليتي السياحة والإعلام وأقسام كلية الآداب.
سامر الخيّر