المنتج الزراعي.. بحث دائم عن منافذ تصديرية.. وخسائر كبيرة للمزارعين!
إصرار المزارعين والعاملين في القطاع الزراعي، وتمسكهم بالأرض، هو الدافع الأول والأخير لتأمين حاجة أسواقنا المحلية من الإنتاج الزراعي، رغم كل الضربات الموجعة نتيجة تدني الأسعار، حيث يتابع المزارعون إمداد أسواقنا المحلية بالمنتج الزراعي، ولزوم الإنتاج الصناعي دون أن ترف للجهات المعنية عين في البحث عن قنوات تصريف الفائض الكبير من هذا المنتج، ما يؤدي الى إتلافه حيناً، وبيعه بأسعار بخسة، بحيث يكون سعر العبوة أكثر من سعر الكيلوغرام من أي منتج منه.
وندرك تماماً ما يلحق بموسم الحمضيات من كساد كل عام في ظل غياب معامل العصير رغم إشباعها حديثاً، وتدخل السورية للتجارة لشراء المحصول، وتقديمه بالمجان للمواطنين، لكن للسورية طاقتها، فهي غير قادرة على أن تشتري الثوم، والبصل، والبطاطا، وبقية الخضار والفواكه، ولذلك تشهد أسواقنا منذ سنتين متتاليتين خسائر فادحة بالمزارعين لم يعد بمقدورهم تحمّلها، فليس من العدل والموضوعية أن يباع كيلوغرام البطاطا في أسواق حماة ما بين الـ 45– 70 ليرة، وهو من إنتاج هذا الموسم “العروة الربيعية”، في حين يباع الكيلوغرام في دمشق ما بين الـ 150-180 ليرة.
أسعار “ببلاش”
في جولة سريعة في أسواق هال مصياف وحماة لاحظنا الغبن الذي يلحق بالمنتجين، هذا ما أكده الباعة أنفسهم فكيلوغرام البندورة نوع أول بالجملة يباع بـ 125 ليرة سورية، وكيلوغرام البطاطا في سوق هال حماة بين الـ 65– و80 ليرة، وهي من إنتاج العروة الربيعية الحالية، في حين يباع إنتاج العروة الخريفية بـ 45 ليرة، وبطاطا البراد القديمة بـ 35 ليرة.
أبو إبراهيم من ريف محردة التقيناه في سوق هال حماة، قال في معرض إجابته عن سؤالنا عن الربح الذي يمكن أن يحققه المزارعون في ظل إغراق السوق بالإنتاج الزراعي: مثل تجارة جحا بالعطر الذي يشتري ويبيع بالسعر نفسه، لكنه فقط يشم الرائحة الطيبة، كما قال جحا يوم سئل لماذا تتاجر بالعطر، وواقع الحال ينطبق على المزارعين الذين يشترون كيلوغرام بذار البطاطا بـ 425 ليرة، ويبيعون الكيلوغرام بـ 65، وفي أحسن الحالات بـ 80 ليرة، وعليك أن تحسب سعر العبوة، وأجور النقل، والنسبة التي يتقاضاها بائع سوق الهال.
هذا ما يتعلق بأسعار البطاطا، أما أسعار الثوم، والبندورة، والفول، والبازلاء فليست أحسن حالاً، فكيلوغرام الثوم إنتاج هذا الموسم يباع بـ 50-60 ليرة، والبازلاء مفرطة، أي جاهزة، سعر الكيلوغرام بـ 250 ليرة، والفول بـ 180 ليرة.
وعن أسباب تدني هذه الأسعار يقول أبو نزار صاحب محل في سوق هال مصياف: لا أحد يستطيع أن يضع السعر الذي يروق له، فالعرض والطلب وحدهما من يحدد الأسعار، فغزارة الإنتاج وقلة الطلب تجعلان من المنتج يباع بسعر بخس، ما يلحق بالمزارعين خسائر فادحة وكبيرة جداً.
وأضاف: لقد تم إتلاف بيادر من الثوم الموسم الماضي جراء سعره البخس، وهذا العام سيحدث ذلك، بالمختصر المفيد ليست لدينا روزنامة وخطط زراعية، لا لجهة المساحات المزروعة، ولا لجهة التصدير، فلو كانت هناك قنوات تصديرية للبطاطا والثوم السوري الذي لا يضاهيه إنتاج لما لحقت الخسائر بالمزارعين سنوياً، فالكل يتحدث عن تصريف المنتج مع بدء طرحه في الأسواق، ويبقى الحديث عنه ريثما ينتهي دون مؤشرات حقيقية على أرض الواقع، فاتحاد الغرف الزراعية نسمع جعجعته، ولا نرى طحينه، وكأننا أمام سباق من التصريحات، ويكفي أن ترى وجوه المزارعين لترى الدلالات على حجم ما يلحق بهم من خسائر.
من ناحيته قال المزارع لؤي: العام الماضي لحقت بي خسارة قدرت بمئات الآلاف جراء تخزين عدة أطنان من البطاطا لأبيعها قبل أشهر من الآن بـ 45-50 ليرة، فهي لا تغطي كلفة أجور البراد، وانتقد أداء السورية للتجارة التي تضع معايير كثيرة لاستجرار محصول البطاطا، وهذا لا يناسب النسبة الكبيرة من المزارعين، وهي لم تشتر أية حبة بطاطا.
صاحب سيارة ينقل الخضار والفواكه سألناه: لماذا لا يتم نقل الخضار والبطاطا إلى دمشق والمحافظات الأخرى فأجاب: إن تكلفة أجور النقل باهظة، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه المواد.
تدني الأسعار
في غرفة زراعة حماة قيل لنا إن الخسائر المتلاحقة التي تصيب المزارعين جراء تدني أسعار المنتج المحلي قد تدفع بالعديد منهم إلى عدم إعادة الكرة العام القادم، أو البحث عن زراعات أخرى يمكن تصريفها بسهولة في السوق المحلية دون إغراقها لهذه الأسواق، والخشية من زراعة محصول الشعير في الأراضي المروية العام القادم بدلاً من الزراعات الأخرى، فطن الشعير بـ 140 ألف ليرة، ولا يحتاج إلى التكلفة الباهظة، وعند ذلك تفتقد أسواقنا المحلية للخضار بشتى أنواعها.
منافذ التصدير
عوّدتنا التجربة ألا نتحدث عن التصدير إلا عندما يكسد الإنتاج وتغرق به أسواقنا المحلية، فلماذا لا تدرس وزارتا الزراعة والاقتصاد الإنتاج المتوقع سنوياً من محاصيلنا الزراعية من خلال المساحات المزروعة، ومردوديتها الإنتاجية، وحاجة السوق المحلية منها، ومن ثم تصدير الفائض، والتحضير لذلك في وقت مبكر.
وبهذا الشأن لرئيس اتحاد الغرف الزراعية محمد كشتو رأي، إذ قال: نعمل على إيجاد قنوات تصريف المنتج الزراعي السوري ا لفائض، لكن المسألة ليست بهذه السهولة، والحكومة مستنفرة لهذه الغاية، فلمحصول البطاطا سوق تصريف تصديرية في العراق، ولكن ليست هناك معابر آمنة لإخراج البضاعة، وإن استطاع أحدهم تكون التكلفة كبيرة جداً جراء عمليات النقل، والأمور الأخرى.
وأضاف كشتو نأمل قريباً فتح المعابر الحدودية مع دول الجوار لتصريف المنتج الزراعي بكل أشكاله وأنواعه، فمواد مثل الثوم، والبصل، والبندورة، والبطاطا غير قابلة للشحن لمسافات طويلة لتعرّضها للتلف فيما لو فكر أحدهم بتصديرها عبر البحر، وبذلك تكون عملية التصدير غير مجدية، ولذلك سيبقى الإنتاج الزراعي الفائض عبئاً على الحكومة، وعلى المنتجين أنفسهم!.
منح فاتورة
رئيس غرفة تجارة حماة السيد حسان المصري قال: الغرفة تنحصر مهمتها في منح فاتورة منشأ، ومن ثم يأتي دور مديرية الاقتصاد، وبخصوص تصدير المنتج الزراعي، أياً كان نوعه، لم يأتنا أي رجل أعمال طالباً فاتورة المنشأ، رغم ما للتصدير من أهمية لجهة تأمين القطع الأجنبي للخزينة العامة للدولة، مشيراً إلى أن ما يجري للمزارعين يشكّل خسارة كبيرة جداً، فكيلوغرام البطاطا للمستهلك يباع هنا في حماة بـ 55 ليرة رغم أن تكلفته قد تكون أكبر من ذلك!.
من ناحيتها قالت مديرة الاقتصاد بحماة السيدة رباح علواني: لم يتقدم إلينا أحد طالباً تصدير المنتج الزراعي، فقد منحنا عدة موافقات لمصدري الفستق الحلبي، واللوز، والجوز.
وأضافت بأن المديرية تمنح دائماً موافقات لتصدير الأجبان والألبان التي تشتهر بها محافظة حماة أكثر من غيرها، حيث يمنح للراغبين شهادة المنشأ المطلوبة.
خسائر كبيرة
مدير عام هيئة تطوير الغاب المهندس غازي العزي قال: الخسائر التي لحقت بالمنتجين خلال السنتين الماضيتين والحالية لا تقدر وكبيرة جداً، بدءاً من البطاطا، مروراً بالثوم، وانتهاء بالحمضيات، وغيرها بسبب غياب أسواق التصريف والتصدير الخارجي، وغياب التخطيط الزراعي أحياناً، ورغبة المزارعين بزراعة محصول بعينه دون سواه سنوياً.
محمد فرحة