إلى متى سيعمل رودي جولياني محامياً لترامب؟
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “ذا نيويوركر” 5/5/2018
بسلوكه المتهور وبإخفائه المزمن للحقيقة، خلق دونالد ترامب تحديات لا نهاية لها أمام كادر البيت الأبيض خلال الأشهر الخمسة عشر والنصف الماضية، ولكن مع الوصول الصاخب لرودي جولياني، الذي يفترض أنه عضو في فريقه القانوني وجد ترامب نفسه يلعب دوراً غير مألوف- كجزء من طاقم التنظيف في البيت الأبيض، فقد سعى يوم الجمعة الفائت إلى تبرير بعض تصريحات جولياني الأخيرة، في الوقت الذي صرح فيه أيضاً بأن بعضاً منها كان غير دقيق.
قال ترامب للمجموعة الصحفية في البيت الأبيض صباح الجمعة بينما كان يستعد للسفر إلى دالاس ليخاطب جمعية البنادق الوطنية: “رودي شخص عظيم، لكن ما مضى على قدومه سوى يوم.. إنه يضع جلّ جهده في عمله، ويعمل بجد، ويتعلم مضمون عمله، وسيصدر تصريحاً أيضاً، لكنه شخص عظيم، وهو يعلم أنها حملة ضد المعارضين، هذا كل همه، فقد شاهد الكثير منهم، وقال: إنه لم يرَ أفظع من ذلك على الإطلاق”. وهنا دخل ترامب في مناقشة رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون قبل أن يعود إلى موضوع جولياني ويكرر وجهة نظره: “بالأمس باشر عمله، وسيفهم مجريات الأمور بسرعة، إنه شخص عظيم”.
لم يتبق خيار أمام الرئيس سوى التعامل مع النار التي أشعلها جولياني خلال الساعات الست والثلاثين السابقة، بدءاً بتصريحاته، ليلة الأربعاء على برنامج فوكس نيوز، الذي تحدث فيه كيف سدد الرئيس دينه لمايكل كوهين محاميه الشخصي، لدفعه مائة وثلاثين ألف دولار للممثلة الإباحية ستورمي دانيلز قُبيل انتخابات 2016، ولِحث الرئيس على إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي، ولا يمكن تفسير الفوضى التي أحدثها جولياني بأنها نتيجة لزلة لسان، وخلال ظهوره على برنامج “فوكس آند فريندز” صباح يوم الخميس، بدا وكأن جولياني يعترف بأن الدفعة التي قدمها كوهين لدانيلز كانت مرتبطة بشكل مباشر بانتخابات عام 2016، ما أثار مسألة ما إذا كانت الصفقة تنتهك قوانين الحملات الانتخابية أم لا.
وفي ليلة الجمعة، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن سارة هاكابي ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض، كانت “غاضبة” بعد مقابلة جولياني مع هانيتي، وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن “ثمة استياء انتشر بين المستشار دونالد ماكغان وآخرين بشأن إقالة كومي، حسب أحد المسؤولين، واعتبروا تعليقات جولياني “غير مفيدة”، ونقلت التايمز عن مصدرين مقربين من ترامب، أن الرئيس “كان مستاءً من الطريقة التي تصرف بها السيد جولياني، وهو عمدة سابق لمدينة نيويورك.. ولم يكن راضياً عن السيد هانيتي أيضاً”.
ويوم الجمعة، قال مصدر مقرب من جاريد كوشنر، صهر الرئيس ومستشاره، لصحيفة نيويوركر أن كوشنر غاضب من جولياني أيضاً، وخلال مقابلة هانيتي مع العمدة السابق، أشار جولياني إلى “إمكانية الاستغناء” عن كوشنر، وفي يوم السبت بعد الزوال، نفى مسؤول في البيت الأبيض وجود أي عداء بين كوشنر وجولياني، حيث قال: “لدى جاريد مشاعر إيجابية ودافئة تجاه رودي، ويعتقد أنه كان أحد مؤيدي ترامب المخلصين منذ البداية، وعندما شاهد المقابلة، اعتبر تعليقات رودي عنه بأنها مجرد مزحة، وهو لا يشارك في وضع الاستراتيجية القانونية للرئيس”.
وقال خبراء قانونيون مستقلون: إن تصريحات جولياني قد تخلق عدداً من المشكلات أمام الرئيس، ففي يوم الجمعة، أصدر جولياني بياناً كان من الواضح أنه يهدف إلى إصلاح بعض الأضرار التي تسبب بها، وقال فيه: “لم يحدث أي انتهاك في الحملة الانتخابية، وقد تم ذلك السداد لتسوية ادعاء شخصي وكاذب لحماية أسرة الرئيس، وكان يمكن دفعه في أي حال، سواء كان مرشحاً أم لا”.
كما قال جولياني أيضاً: إن التلميحات التي قدمها عن توقيت الدفع “لم تكن تصف فهمي لمعرفة الرئيس، بل كانت تصف فهمي لهذه الأمور”، وكانت لغته مبهمة ويصعب تحليلها، ولكن أشارت “واشنطن بوست” إلى أن “الفرق مهم لأنه إذا وصف جولياني علناً محادثة خاصة مع الرئيس، فقد يكون قد أهمل سهواً السرية بين المحامي وموكله في تلك المحادثة، ما قد يفتح الباب أمام أعضاء النيابة العامة للتحقيق أكثر فيما قيل”.
وأخيراً، تناول بيان جولياني بشكل غير مباشر اقتراحه بإقالة ترامب لكومي بسبب رفضه أن يقول علناً: إن الرئيس لم يكن هدفاً للتحقيق بشأن روسيا في الوكالة – وهو ادعاء بدا وكأنه يدعم النظرية القائلة: إن ترامب كان يسعى للتدخل في التحقيق، وقال البيان: “لا مراء أن إقالة الرئيس للمدير السابق كومي- وهو مسؤول تنفيذي أدنى- كان ضمن نطاق سلطاته بموجب المادة الثانية.. وما كُشف عنه مؤخراً عن المدير السابق كومي يؤكد على حكمة قرار الرئيس، الذي يصب بوضوح في مصلحة أمتنا”.
ولم يبدد البيان الانطباع العام بأن جولياني قد أفسد الأمور تماماً، حتى مايكل كوهين انتقد أداءه، حيث قال لدوني دويتش، رجل الإعلانات الأول في نيويورك ومذيع تلفزيوني: إن جولياني “لا يعرف دائماً ما يتحدث عنه”، وبظهوره على قناة “MSNBC” يوم الجمعة، توقع دويتش أن جولياني سيرحل بغضون أسبوعين.
وكما أظهر ترامب بوضوح، فهو قادر تماماً على اتخاذ قرارات إقالة سريعة بشأن الموظفين، لكن في يوم الجمعة، على الأقل، بدا راغباً بالتساهل مع جولياني، والتفسير الأكثر إقناعاً لذلك هو أنه في حين إن ترامب قد لا يحب رد الفعل الذي أثارته كلمات جولياني، إلا أن العمدة السابق ينفذ أوامره، فقد تحدث جولياني مع ترامب قبل الكشف عن أن الرئيس سدد دينه لكوهين، وقلد ترامب في تبني موقف عدائي متزايد تجاه تحقيق مولر، وفي هذه المرحلة، فإن الاستراتيجية القانونية الأساسية لترامب هي استراتيجية علاقات عامة، حيث يتم تصوير كامل التحقيق بشأن روسيا على أنه مؤامرة حزبية، وهذا هو الأساس المنطقي لرفضه الموافقة على مقابلة مع المستشار الخاص، “ربما تستخدم هذه الحجة في النهاية لتبرير إقالة مولر ورود روزنشتاين، نائب المدعي العام”، فقد قال ترامب للصحافة يوم الجمعة “خلاصة القول: أريد أن أتحدث إلى المسؤولين في حال تمكنوا من إثبات أنه وضع عادل.. فالمشكلة التي تواجهنا هي أن لديك ثلاثة عشر شخصاً، وجميعهم ديمقراطيون، بل هم ديمقراطيون حقيقيون، إنهم ديمقراطيون غاضبون، وهذا ليس وضعاً عادلاً”، مع أن مولر وروزنشتاين جمهوريان.
ورغم أن مهارات جولياني القانونية تبدو صدئة، إلا أنه حريص على لعب دور مناصر ترامب العدواني، تماماً مثلما فعل خلال الحملة الرئاسية، وفي الأيام القليلة الماضية، برهن ثانية على استعداده للوصول إلى أدنى المستويات، حتى إنه انتقد وكالات إنفاذ القانون التي كان يعمل بها في السابق، وفي مقابلة له مع هانيتي، وصف جولياني كومي بأنه “رجل منحرف جداً”، وشبه عملاء الـ “إف بي آي” الذين نفذوا أوامر التفتيش في غرفة فندق كوهين ومكتبه بـ “جنود العاصفة”، وفي مقابلة أخرى، يوم الخميس، ادعى جولياني أن ثمة حملة ضد المعارضين تجري في وزارة العدل.
إن هذه الاستفزازات الفاحشة لا معنى لها من وجهة نظر قانونية، ويبدو أنها ستشدد عزم مولر وفريقه في الغالب، غير أن ترامب يرى نفسه متورطاً بشكل أساسي في صراع سياسي على السلطة، وكان واضحاً أنه كان يحب فكرة وضع جولياني في مكانه المناسب ليردد بعض سطور تهجماته، ولكن هذا الأسبوع، تعرض العرض التمثيلي الذي يقوم به ترامب ورودي لانتقادات لاذعة، والسؤال المطروح الآن هو إلى متى سيستمر هذا المشهد الهزلي؟.