لماذا كل هذه التبعية الأوروبية؟!
ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع انفورميشن كليرنغ هاوس 4/5/2018
يبدو أن الحكومات الأوروبية لا تدرك إمكاناتها لإنقاذ العالم من عدوان واشنطن، لأن دول أوروبا الغربية اعتادت أن تكون تابعة لواشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى دول أوروبا الشرقية والوسطى قبلت التبعية لها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، الأمر الذي سيكلفها الكثير.
بانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، سمحت دول أوروبا الشرقية والوسطى للتواجد العسكري للولايات المتحدة بالتحرك على حدود روسيا، ما أعطى لواشنطن ثقة غير مبررة بإمكانية إجبار روسيا لتصبح دولة تابعة هي الأخرى. وعلى الرغم من المصير الأليم الذي واجهته أفضل الجيوش التي تم تجميعها- جيش نابليون المهيب والجيش الألماني “الفيرماخت”- لم تتعلم واشنطن قاعدتي الحرب: بأن “1” لا زحف على روسيا “2” لا زحف على روسيا، كما من المرجح أنها لا تريد أن تتعلم هذا الدرس.
لقد بدأت واشنطن بسبب حماقتها المتغطرسة فعلاً بهذا الزحف تدريجياً وذلك بتنفيذ انقلاب في أوكرانيا، وشن هجمات على مواقع عسكرية روسية في سورية، وهنا يمكن لدول أوروبا الشرقية والوسطى أن تتحرر من التبعية بفك الارتباط مع أمريكا كونها تشكل عنصر مساعد لعدوان واشنطن، لأنه ما من فائدة تعود على أوروبا بالتواجد في حلف شمال الأطلسي، فروسيا لا تهدد الأوروبيين بعدوان عليهم، لكن التهديد يكمن في عدوان واشنطن على روسيا، وإذا ما نجح المحافظون الجدد في أمريكا وحلفاؤهم “الإسرائيليون” في إثارة حرب، فسيكون مصير أوروبا الدمار النهائي.
إذاً ما هو الخلل في السياسيين الأوروبيين لخوض هذه المجازفة مع شعوبهم؟ تعاني أوروبا من أزمات اقتصادية بسبب عقوبات واشنطن غير الشرعية ضد روسيا، كما أنها تعاني من وصول ملايين اللاجئين الذين أغرقوا الدول الأوروبية ممن فروا من حروب واشنطن- الحروب التي أُجبر الأمريكيون على خوضها لصالح “إسرائيل”- غير المشروعة ضد الشعوب العربية. والسؤال الآخر، ما الذي سيحصل عليه الأوروبيون لقاء العقوبات القصوى المفروضة عليهم باعتبارهم تابعين لواشنطن؟ في الواقع لا يحصلون إلا على تهديد “هرمجدون”، وفقط بعض من “القادة” الأوروبيين يحصل على إعانات هائلة من واشنطن لتحقيق أجندة واشنطن غير الشرعية، وبنظرة على ثروة طوني بلير الهائلة نرى أنها ليست المكافأة العادية لرئيس الوزراء البريطاني.
سيحقق الأوروبيون، بمن فيهم “القادة” مكاسباً كبيرة بسبب ارتباطهم بمشروع طريق الحرير، فالشرق هو الصاعد وليس الغرب، وسيربط طريق الحرير أوروبا بالشرق الصاعد، ويوجد في روسيا مناطق غير مكتشفة ومليئة بالموارد – سيبيريا – وهي أكبر من الولايات المتحدة، وعلى أساس تعادل القوة الشرائية، تعد الصين فعلياً أكبر اقتصاد في العالم من الناحية العسكرية، كما يعد التحالف الروسي- الصيني أكثر من كونه مباراة بالنسبة لواشنطن. وإذا كانت أوروبا تتمتع بأي حس سليم، وأي قيادة، فعليها أن تتخلى عن تبعيتها لواشنطن.
ماذا تستفيد أوروبا من هيمنة واشنطن على العالم؟ كيف يستفيد الأوروبيون من تبعيتهم لواشنطن، بمقابل عدد قليل من السياسيين الذين يستلمون حقائب مليئة بالمال من واشنطن؟ في الحقيقة لا توجد أية فائدة. وكما يرى المدافعون عن واشنطن بأن أوروبا تخاف من هيمنة روسيا عليها، إذاً لماذا لا يخاف الأوروبيون من هيمنة واشنطن منذ 73 سنة عليهم، خاصة الهيمنة التي تقودهم إلى صراع عسكري مع روسيا؟ وعلى عكس الأوروبيين والروس، يفتقر الأمريكيون للخبرة اللازمة فيما يتعلق بضحايا الحرب. فمعركة واحدة في الحرب العالمية الأولى، وهي “معركة فردان” أسفرت عن عدد ضحايا أكثر من قتلى المعارك التي جربتها الولايات المتحدة في كل حروبها بدءاً من الحرب الثورية من أجل الاستقلال عن بريطانيا. كانت “معركة فردان” أثناء الحرب العالمية الأولى- التي وقعت قبل دخول الولايات المتحدة في الحرب- أطول معركة وأكثرها تكلفة في تاريخ البشرية، وقد قُدر إجمالي عدد الضحايا الذي تم في تقديرات عام 2000 بـ 714،231 ضحية، منهم 377،231 فرنسياً، و337،000 ألمانياً، بمعدل 70،000 ضحية شهرياً. وتشير تقديرات أخرى حديثة إلى أن عدد الضحايا وصل إلى 976،000 خلال المعركة، حيث عانى 1،250،000 في” فردان” خلال الحرب. في المقابل كان عدد ضحايا الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى بعد دخولها الحرب 53،402 أثناء المعارك و200،000 إصابة بجروح غير مميتة.
وفيما يلي قائمة بعدد قتلى الولايات المتحدة في المعارك من “حرب الثورة” حتى “الحرب العالمية على الإرهاب” حتى آب 2017: الثورة الأمريكية: 4،435- حرب ١٨١٢: ٢،٢٦٠- الحروب ضد الأمريكيين الأصليين “1817- 1898” 1،000- الحرب المكسيكية: 1733- حرب العدوان الشمالي:- الشمال: 104.414- الجنوب: 74،524- الحرب الإسبانية الأمريكية 385- الحرب العالمية الثانية 291،557- الحرب الكورية 33.739- حرب فيتنام 47434- حرب الخليج 148- الحصيلة 561629 قتيلاً أثناء المعارك. إذا أضفنا قتلى الحرب على الإرهاب اعتباراً من آب 2017- 6،930– يكون عدد قتلى الحرب من الأمريكيين “568،559” في المعارك في جميع الحروب الأمريكية. بالمقارنة مع 714.231 ضحية خلال معركة واحدة في الحرب العالمية الأولى لم تشمل الجنود الأمريكيين. بعبارة أخرى باستثناء الولايات الكونفدرالية والأمريكيين الأصليين، الذين عانوا من جرائم حرب الاتحاد الهائلة، ليس لدى الولايات المتحدة الخبرة في الحرب، لهذا تدخل واشنطن الحرب بسهولة. ومع ذلك ستكون معركتها التالية معركة “هرمجدون”، ولن تكون واشنطن موجودة بعد ذلك.
كان عدد قتلى الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى منخفض لأنها لم تدخل الحرب حتى العام الأخير، وبالمثل في الحرب العالمية الثانية، هُزمت اليابان بفقدان قوتها البحرية والجوية وبقصف مدينة طوكيو وغيرها من المدن اليابانية، لذا كان عدد القتلى من الأمريكيين في المعارك قليل وكانت الهجمات النووية على هيروشيما وناغازاكي بلا مبرر، وتمت عندما طلبت اليابان الاستسلام، حيث لقي ما يقارب من 200،000 من المدنيين اليابانيين مصرعهم بسبب الهجمات النووية ولم يُقتل من الأميركيين سوى أسرى الحرب المحتجزين في تلك المدن.
وفي أوروبا، لم تدخل الولايات المتحدة الحرب ضد ألمانيا حتى العام الأخير كما حدث في الحرب العالمية الأولى، عندما دمر وهزم الجيش السوفييتي الأحمر الجيش الألماني.
وفي حال حدثت حرب عالمية ثالثة، فإن الولايات المتحدة والعالم الغربي بأسره سيُدمر على الفور لأنه لا توجد قوة تحول بين الغرب والقدرة النووية غير العادية لروسيا، وإذا دخلت الصين إلى جانب روسيا، كما هو متوقع، فإن تدمير كامل العالم الغربي سيكون نهائياً.
هل تحولت أوروبا لمجرد قطيع ينتظر الذبح من آلات المحافظين الجدد المجانين؟ ألا يوجد قادة سياسيون أوروبيون يتمتعون ولو ببعض من الحس السليم والنزيه؟.
ينبغي على أوروبا أن تأخذ زمام المبادرة، ولا سيما دول أوروبا الوسطى، التي حررها الروس من النازيين، فإذا تخلصت أوروبا من سيطرة واشنطن، فهناك أمل في الحياة، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فنحن في عداد الموتى.