على مرمى قلب وبحر.. كتبت قصيدة نثر
بمزاج عال وشغف ثقافي بلا حدود خط رامي غدير وحسام بدرية وبريء خليل قصيدة نثرهم في يوم جليل من سنة 2008 تم توقيع قصيدتهم تلك..
مقهى قصيدة نثر هو رقم صعب ولذيذ الوجود بين العديد من المقاهي التي وزعت كشتلات الحبق في شوارع وأزقة اللاذقية البهية.
ربما يصدم المرء للوهلة الأولى عندما يجد ضالته وهو يبحث بين الواجهات الضخمة والأسماء اللامعة عن تلك القصيدة، ليجدها منثورة في زقاق لا قلب ولا روح فيه سوى نبض القصيدة وحكايات وضحكات روادها التي تشغل كامل المكان..
لا بحر ولا سهل ولا جبل تطل عليه قصيدتنا، إطلالتها الوحيدة حديقة بحجم حضن من القمح، وبعض أصايص حبق وطاولة صغيرة في الوسط تحجز الوقت والمكان لرامي وسجائره وكأس المتة الذي يشربه على مهل..
أراد أصحاب المقهى أن يكون بين الناس يعيش معهم كل تفاصيل حياتهم: “اخترت المكان الأكثر واقعية، فمن شيم القصيدة أنها هي التي تذهب للناس قبل أن يهموا للمجيء إليها”..
المكان ضيق لكنه كيف يتسع فجأة لكل ما ينثر من أدب وفكر وفن لا أعرف..! لقد كان شاهداً على أحداث ثقافية يباهي بها كل المقاهي الأخرى، فالمناخ الثقافي العالي أتى بأسماء كبيرة في عالم الأدب والشعر والفن التشكيلي والفنون الأخرى أيضاً، فحب الشاعر والكاتب منذر المصري لقصيدة نثر دفع به وبصديقه عادل محمود باسمه الكبير لتوقيع كتابه ضمن جدران المقهى، وهيشون العظيم (عيسى بعجانو) جعل من المقهى مرسماً لكلماته وقصائده، كان يلوّن مساءات القصيدة بألوان ثقافية لها طعم ورائحة هي باقية ما بقيت قصيدة نثر.
ما لفتني هو ذاك الجدار في أعمق قلب للمقهى الذي تحول مع الوقت لألبوم صور وثق كل الأسماء واللحظات التي عاشها رواده كعربون وفاء وحب لزواره الباقين، أو الذين رَحلوا أو رِحّلوا أو عقدوا صفقة من دون المقهى مع الغياب، فالحرب فعلت فعلها في نفوس الناس..
جمع المقهى الكثير من الحوارات والمنتديات بكافة أشكالها وألوانها المختلفة، ورغم اختلاف الرأي بالكثير من الموضوعات لكنه لم يفسد لود وحب رواده قضية.
ما ميز حروف قصيدة البحر تلك، هو المكتبة التي توسطت المقهى والتي جمعت العديد من الكتب والمخطوطات والدراسات الأدبية والعلمية، فكل من يطرق عالم المقهى تقدم له قهوتهم بنكهة ثقافية قل مثيلها في هذه المدينة..
وقد أخبرني السيد رامي أن هناك أيضا إعارة خارجية للكتب من تلك المكتبة الغنية لطلاب الجامعات والفكر على حد سواء، غلب الجانب الثقافي لهذا المشروع على الجانب التجاري الربحي الذي كان لابد منه للنهوض بالمشروع وديمومته، همنا كان أن نخلق بيئة ثقافية فنية حميمة تجمع القلوب والأرواح قبل الأفكار، حاولنا أن نعمل ما بوسعنا لنصنع حباً من نوع خاص وبأرقى المستويات، وأردناها أي (قصيدة نثر) أن تكون ذاكرة حيّة تفعّل بطريقة أو بأخرى الحالة الثقافية في مدينة الحرف.. مدينة اللاذقية التي لا تموت، وسط ما مات فينا وفي أرواحنا في تلك السبع العجاف.
لينا أحمد نبيعة