“التلفزيون والكتابة الدرامية”.. من التوثيق إلى التأريخ
لا شك أن الحديث عن الكتابة الدرامية في المحاولة الجادة من التوثيق إلى التأريخ، سيتعالق بالحديث عن نشأة التلفزيون في سورية، وما رافق ذلك من إرهاصات مُؤَسِسَة بالمعنى التاريخي، لا الفني فحسب، وهذا ما سيعني أيضاً أن الحديث عن تطور النص الدرامي، سيكون الأقرب إلى رحلة معرفية بامتياز، أي في استنكاه التجارب الأولى واستبطان دلالاتها الواسعة، وكل ذلك لا يتأتى إلا عبر منهج يقود معادلة الشكل والمضمون، إذ أن ما تنكبه الباحث والناقد والإعلامي عماد نداف، للإجابة على سؤال كبير يتعلق بمنهجية ما كُتب من نصوص ووقوفاً عند اصطلاحات بعينها من مثل (مسلسل) أو (النص الدرامي التلفزيوني) أو (السيناريو التلفزيوني) تعين على الانفتاح بالمنهج القائم على “معطيات تتعلق بقواعد الكتابة بالصورة المرئية، سينما- تلفزيون، ومحاولة توصيف نماذج الكتابة المتبعة في المراحل التالية من الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري، والركون أخيراً إلى التتابع التاريخي والمضمون في تطور الكتابة التلفزيونية منذ الشروع بفكرة الإنتاج الدرامي في بدايات التلفزيون السوري”، هذا ما يؤكده –عماد نداف- في مقدمته لإضاءة منهجه في البحث في جدلية العلاقة بين التلفزيون والكتابة الدرامية، جدلية ستأخذنا إلى ظهور التلفزيون ارتباطاً سياقياً بتاريخ السينما، ويؤكد في هذا المجال أن تاريخ السينما الذي أراد محاكاته، هو تاريخ الصورة السينمائية وقد صارت أفلاماً تصور حياةً تقف خارج الواقع، حتى وإن استلهمته، فتاريخ السينما والتلفزيون هو تاريخ تطور العلاقة بين الصورة والتفاصيل الأخرى، نقف في ذلك البحث الشيق، والذي هو ثمرة جهود معرفية الطابع للباحث نداف، على جملة من الرؤى النقدية التي تخص مسيرة التلفزيون السوري، لكن بالانطلاق من الكتابة الدرامية والسيناريو مبيناً العلاقة بين النص والصورة، بل يذهب أكثر من ذلك، إلى «الوظيفة الإيضاحية التصويرية للنص» بتعبير بوريتسكي، وفي المنحى الواقعي سوف تبدو الصورة التلفزيونية أكثر استدعاء لأسئلة النقد، الأسئلة التي تحايث صناعة المنتج الدرامي، ولا تكتفِ فقط بتاريخه، وذلك يعني أن الحاجة هنا للوقوف على نماذج دالة قدمها الباحث في سياق كتابه كما نماذجه المنتقاة من سلسلة الأعمال التي أنتجتها صناعة السينما في سورية، ستتغذى بالملاحظات المنهجية التي تطاول مصادرها، وتقف على أهميتها لضرورات التأسيس لانطلاق الدراما التلفزيونية السورية، بيد أن الأسئلة الكثيرة التي طُرحت حول آليات الكتابة في فن السيناريو، ستجد دلالاتها في الطريقة التي انتبه إليها الباحث، والتي كتب فيها المبدعون السوريون كتاباً ومخرجين، نصوصاً ظلت في الذاكرة القريبة والبعيدة، من مثل (الفهد، ليالي ابن آوى، ووقائع العام المقبل) وغير ذلك.
والحال إن الحديث عن “ظروف نشوء النص الدرامي” وصولاً إلى حيز الإنتاج، سيرتبط باتجاهات تلك الأعمال ومكوناتها الفكرية والاجتماعية، التي لم تنفصل عن أدواتها بل اكتملت بها مع ظهور (الكتّاب التلفزيونيين)، ومدى ما قاربوه في إنتاجاتهم في التأسيس للمشهد التلفزيوني السوري المعاصر، بعلاماته وسعيه لرسم لوحة مجتمعية ترهص بالإشارات والتحولات، قبل أن تدخل معايير السوق وشروط المنافسة، ومن ثم جرى التسابق على الاستثمار في الدراما، وبرزت خبرات في الكتابة والتمثيل والإخراج، طرحت نفسها في معركة الإنتاج، فخضعت تلقائياً لشروطه كما يقول الباحث نداف، في قراءته لتجربة كتّاب الإنتاج الدرامي في التسعينيات، واستخلاصه ملامح جديدة في فن السيناريو التلفزيوني، بقيمة مضافة هي دخول المرأة في مجال كتابة النص الدرامي التلفزيوني، منتبهاً إلى ما كشفته موجة الفورات الإنتاجية ومعها بدأت الكتابة النقدية مواكبة تلك النصوص، على اختلاف أغراضها واتجاهاتها الفنية والأسلوبية والقيمية. إن رصد التجربة سيمكن القارئ من رؤية العلامات التي أسس عليها النقد الدرامي خطابه ومفرداته ، لكن وبالمقابل، فإن الجهد التأسيسي للباحث عماد نداف سينضاف إلى جهود كثيرة في هذا المجال، تقرأ تاريخ الدراما بعين النقد لتكامل منهجية البحث في العلاقة الأثيرة بين التلفزيون والكتابة الدرامية بالمعنى الثقافي الذي يسائل المنجز ولا يكتفِ به.
الكتاب صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب – دمشق – 2018 ويقع في 175 صفحة من القطع الكبير
أحمد علي هلال