حرب ليست تقليدية
التورط الإسرائيلي في الأزمة في سورية لم يبدأ بالأمس، أو خلال الأيام القليلة الماضية، وإنما منذ اليوم الأول لبداية الحرب على سورية، وقد اتخذ أشكالاً وأساليب متعددة، بدءاً بالتجييش وحشد الدعم الخارجي للإرهابيين مالياً ولوجستياً، مروراً بتقديم السلاح والعلاج والمعلومات الاستخباراتية للمجموعات الإرهابية، والتدخل المباشر، عندما كان إرهابيو القتل بالوكالة يعجزون عن تنفيذ مهامهم التي أوكلت إليهم. وقد يكون المتغير الوحيد في هذه المرحلة هو تكرار الاعتداءات المباشرة خلال فترات متقاربة، وهو أمر فرضته هزيمة التنظيمات التكفيرية، وعدم قدرتها على الاستمرار في تنفيذ المخطط المرسوم من جهة، ومحاولة من الكيان الصهيوني ومعه أمريكا رد الاعتبار بعد إسقاط مقاتلة الـ إف 16 وفشل العدوان الثلاثي والذي أفضى إلى إرساء قواعد اشتباك جديدة لم يستطع محور الحرب استيعابها حتى الآن.
يتصرف ترامب كـ “ثور هائج في معمل سيراميك”، ويضرب خبط عشواء، مرة يجرب صواريخ التوماهوك والكروز، وأخرى يقدم على خطوات غير مسؤولة على غرار إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، ويوازيه نتنياهو بتوجيه ضربات غادرة في إطار محاولاته جس النبض ليقيس عليها في حال اندلعت مواجهة كبرى.. محاولات جاءت نتائجها، لا كما يشتهي، حيث حطمت دفاعاتنا الجوية أسطورة التفوق الجوي لأمريكا و”إسرائيل”، وبالتالي فإن حرب الثماني سنوات والتي كان في مقدمة أهدافها إنهاك الجيش السوري تحولت إلى سراب، بل إن الجاهزية القتالية لقواتنا المسلحة باتت مثار قلق لـ “إسرائيل” أولاً، ولمجمل محور الحرب من البيت الأبيض إلى مضارب بني سعود في الخليج، يضاف إلى ذلك الفروق الكبيرة بين استعداد الشعب السوري للمواجهة والصمود والذي يقف على شرفات وسطوح المنازل لمشاهدة الصواريخ، وهي تتساقط من قبل منظوماتنا الدفاعية، بين المستوطنين الذين يختبؤون في الملاجئ عند أول اختبار، وهذا عامل مهم يعطي دليلاً آخر على الفرق بين شعب وجيش يدافع عن قضية عادلة، ولا خيار أمامهما سوى الانتصار، وبين شتات تم استقطابهم من أصقاع الدنيا، وشردوا شعباً، وسلبوا أرضاً، ولا محالة أنهم عنها زائلون.
إذاً الحرب ليست بين جيوش تقاتل على جبهات في حروب تقليدية، وإنما أيضاً بين ثلاثية شعب وجيش وقيادة صمدت، واستطاعت إدارة الحرب بكفاءة قل نظيرها، وبدأت ترسم الخطوط العريضة لانتصارها المبين، وثلاثية شتات وجيش مرتزقة ونخبة سياسية انتهازية انهزمت، وتعمل في الوقت بدل الضائع على استرداد شيء من عنجهيتها التي سقطت في كل الاختبارات، وهذا ما يجعلها تتخبط، وتقدم على مغامرات لن تمنع بالمجمل ترسيخ المعادلات الجديدة التي فرضتها وقائع الميدان.
لا شك أن تطورات المشهد السياسي والعسكري تؤشر إلى ترجيح اندلاع الحرب أكثر من التهدئة والتعقل، وهذا ما يسعى إليه قادة “إسرائيل” والإدارة الأمريكية من خلال التهديد والوعيد تارة، وتارة أخرى القيام باعتداءات، وتوفير أجواء التسخين عبر نفخ العضلات، واستعراض القوة عبر الانسحاب من اتفاقيات دولية للإيحاء بأنهم لا يزالون قادرين على المواجهة، وتوسيع دائرة الاشتباك لتشمل المنطقة والعالم، وذلك بالمجمل في محاولة جديدة لإبقاء الوضع على ما كان عليه قبل سنوات، أي للأحادية القطبية، وعدم السماح لقوى صاعدة بتقاسم النفوذ، وإرساء مفاهيم جديدة على الساحة العالمية تعيد التوازن للقرار العالمي.
المؤكد أنه إذا تدحرجت كرة النار، واتسعت المواجهة، أم كان هناك من يرتدع فإن الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، أو يقفز فوقها تفيد بأن قدرة محور الحرب إلى انحسار، ومناوراته باتت في مساحات ضيقة، وهي لن تمنع بأي حال رسم الخريطة الجيوسياسية الجديدة لعالم تجعل هؤلاء يفكرون ألف مرة قبل شن أي عدوان.
عماد سالم