الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

مؤتمر.. للقدس!

حسن حميد

ها أنذا، أعود من مؤتمر دارت موضوعاته، قراءةً ونقاشاً وانتباهاً، حول القدس، ودار المشاركون فيه والقائمون عليه حول القدس وأزمنتها المتعددة وما أحاط بها من ظلموت قلما عرفته بقعة على الأرض لها مهابة وقداسة، وحول أمكنتها وما لقيته من دمار وتخريب وتحوير وإبدال ومسميات جديدة، وحول قداستها وما حافها من أذيات أبعدتها عن كل طيف من طيوف المقدس، وحول أهلها وما عرفوه من مواجع وإذلال من جهة، وما أبدوه من صلادة وانتباهات تجاه الغزاة من جهة أخرى! وقد كانت لهذا المؤتمر أهداف وغايات عدة، لعل أبرزها استشعار الخطر الكبير الذي يحيط بالقدس في زمن الصهاينة منذ احتلال قسمها الغربي سنة 1948، وقسمها الشرقي سنة 1967، وما تفعله اليد الصهيونية من تغييرات وتحويرات داخل النسيج الاجتماعي للقدس، وداخل البنية المكانية التي عرفتها المدينة، وما يحدث من مصادرة لأبسط حقوق المقدسيين في مدينتهم ومن جميع النواحي: الاقتصاد، والاجتماع، والتعليم والتربية، والحرية والتعبير، والثقافة والفنون، والعادات والتقاليد.
وقد حاولت بعض البحوث المكتوبة أن تلامس هذا الخطر وتشير إليه بوصفه عملاً عنصرياً تقوم به اليد الصهيونية السوداء من أجل الاستحواذ على القدس مكاناً وبشراً وتاريخاً، وبسط هيمنتها الاحتلالية عليها جهاراً نهاراً ومن دون أسانيد سوى أسانيد القوة والدعم الغربي الذي يصل حد الوقاحة. لكن اتجاهات وذهنيات وأهواء أخذت الكثير من الباحثين إلى التاريخ فأُغرقت أبحاثهم في كلام مدرسي بات أكثر من معروف، ولا يقدم شيئاً مفيداً لمواجهة الغطرسة الصهيونية، لأن الصهاينة ليسوا على استعداد لحوار في التاريخ، وإن اقتنعوا بنتائجه فهم ليسوا على استعداد لأن يخرجوا من القدس تسليماً بالأحقية التاريخية للفلسطينيين بمدينتهم القدس! ولأن دوران البحوث حول التاريخ المكتوب حول مدينة القدس كان كثيراً، فإن الخلاصة المرجوة منه لم تصل كما ينبغي لتصير قوة من قوة الحق الذي يطالب به أهل القدس، وذلك لأن التوصيف والعرض ظلا توصيفاً وعرضاً من دون أي ربط بالتاريخ الراهن لاستلال العبرة، ومن دون توظيف للنهوض بالهمم الخائرة!. إن الاستعراض التاريخي لأحداث القدس لمجرد الاستعراض ليس مكانه قاعات مؤتمر علمي يريد الوصول إلى قناعات مشتركة، وتوجهات من أجل حلّ الوضع المأزوم في القدس والآتي من قناة القوة والهيمنة الصهيونيتين لأن الصهاينة يريدون منذ أزمنة بعيدة (كأحلام) تهويد القدس، ويريدون منذ احتلال القدس في عامي (1948 و1967) لتهويد القدس عن طريق طرد المقادسة وتهجيرهم بالأساليب الشيطانية كلها كي تصير المدينة مدينة اليهود وعاصمتهم ودارة عقيدتهم، ومربط تفكيرهم، وغاية غايات سياستهم الاستعمارية! وأضيفُ أن البعد التاريخي والاستغراق فيه، من خلال الأبحاث المترادفة، أوقع الباحثين في تتبع تاريخي واحد لأن المصادر واحدة، وكان من الممكن، وفي مؤتمر علمي يدور حول القدس، أن يبتعد الباحثون عن الاستعراض التاريخي إلى ما هو أهم، لأن تلك الأحداث التاريخية واستعراضها يصير عادةً في المدارس، وليس في المؤتمرات التي يعوّل عليها كثيراً.
أمر آخر أخذ الباحثين وبحوثهم إليه هو البعد الديني لمدينة القدس، والقول بأحقية الديانات السماوية الثلاث بالقدس، وهذا كلام حق يراد به باطل، لأن القدس أولاً ثم أولاً ثم أولاً هي مدينة وطنية لأهلها المقادسة أياً كان دينهم، وصبغ القدس بالبعد الديني اليهودي والقول بأحقية لليهود فيها هو أمر مخادع لا يرى القدس مدينة فلسطينية، ولا عاصمة فلسطينية، ولا ذات سيادة فلسطينية، القدس هي مدينة فلسطينية أولاً! وصبغها بالبعد الديني فقط هو أمر مستغرب وله أنفاس غير سارة! تمنّيت لو أن الدراسات ركزت على نقاط الضعف في البعدين التاريخي والديني.. كي نحيّدها، وأن تصل تلك الدراسات إلى خلاصات تُعين أهل القدس على الصمود والثبات، وأن تفتح آفاقاً للعمل.. من أجل القدس الفلسطينية/ العربية!
Hasanhamid55@yahoo.com