“أفكار” ضحية علاقات مضطربة..!
نكتشف يوماً بعد يوم ما تزخر به بلادنا من عقول غنية بأفكار كفيلة بإحداث قفزات نوعية فيما لو تم استثمارها على أكمل وجه، ولكن للأسف فإن واقع الحال لا ينم عن وجود من يتلقف هذه الأفكار ليوظفها في الأقنية الصحيحة..!
إن ما تعرض ويتعرض له اقتصادنا الوطني من انتكاسات وتحديات ليست بالسهلة، يعكس حجم الهوة الحاصلة بين أصحاب هذه الأفكار من جهة، وأصحاب القرار من جهة ثانية، إما لانعدام الثقة بين الطرفين، وإما لانعدام التواصل بينهما، وإما لأن وراء الأكمة ما وراءها..! بيد أن كثيراً من خبرائنا يؤكدون وفي أكثر من مناسبة أنهم طالما بادروا بطرح أفكارهم، ولكن لم يؤخذ بها، ليرموا الكرة بتأكيدهم هذا في ملعب الطرف الآخر، في حين أن الأخير يؤكد دائماً استعداده لاستقبال أية مبادرة لحل ما يعتري اقتصادنا الوطني من إشكالات..! إذاً نحن أمام علاقة غير واضحة المعالم، فالكل يدعي حُسن النية تجاه الآخر، بينما الواقع لا يبشر بخير.. هذا مستوى العلاقة الحكومية مع الخبراء والاستشاريين غير الحكوميين..!
أما على مستوى العلاقة بين مفاصل الحكومية فيما بينها، فإن الأمر أكثر سوداوية، خاصة بين القاعدة ورأس الهرم على مستوى وزارة ما أو مؤسسة ما، فكثيراً ما نسمع – وأحياناً نلمس – عدد المبادرات الإيجابية التي تطرح من قبل بعض المرؤوسين على رؤسائهم، وتصطدم بعقبات غالباً ما يثار حولها الشكوك..!
ما يحز بالنفس حقيقة أن كثيراً من خبراتنا التي ترتقي إلى العالمية والمطلوبة في كثير من الدول والمنظمات العالمية، هي بالأصل مهمشة من قبل بعض جهاتنا التنفيذية، والأدهى أن هذا التهميش لم يعد مستهجناً، وتحول إلى ظاهرة توحي أن هذه الخبرات باتت مستهدفة لاعتبارات تتعلق بالمحسوبيات، والحفاظ على المكتسبات غير المشروعة، علماً أن حيثيات اقتصادنا الوطني تستدعي بالضرورة البحث عمن لديه حلول استثنائية..!
المفارقة المؤلمة التي تحول دون أن تأخذ هذه الخبرات فرصتها للمساهمة بإعادة نشاط العجلة الاقتصادية، تتمحور بانتمائها لجيل الشباب، ما أوقعها في مأزق مفتعل اُتخِذَ ذريعة من قبل المناهضين لها – إن صح التعبير – المنتمين إلى جيل المخضرمين، يتمثل بنظرتهم لهذه الخبرات بأنها تندرج تحت ما يسمى حماس الشباب ليس إلا، من دون إعطائها ولو فرصة واحدة للمبادرة أو الأخذ برأيها كحد أدنى..! مع الإشارة هنا إلى عدم التقليل من خبرات المخضرمين، لكن منطق الأمور يقتضي إحداث توازن بين حكمة الشيوخ وحماس الشباب، وتاريخنا العربي غني بمواقف تفوق بها التلاميذ على أساتذتهم، وبالتالي لا نجد ضيراً بإتاحة الفرصة لمن تم إيفادهم للخارج وتكبدت الدولة مصاريف تعليمهم، لتستفيد بالنهاية مما اكتسبوه من خبرات ومعلومات لم يتسنَّ لأساتذتهم كسبها.
ربما لا نبالغ إذا ما اعتبرنا أن تهميش خبراتنا الوطنية بهذا الشكل يندرج بشكل أو بآخر تحت بند الفساد؛ لأن الفساد لا يختصر بتقاضي الرشوة فحسب، بل يتعداها إلى وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب..!
حسن النابلسي
hasanl@yahoo.comww