من يصلح “قاطرة تنميتنا”؟؟
لسنا متأكدين من أن “الصناعة قاطرة التنمية” لدينا كما هي لدى سوانا، رغم أنها يجب أن تكون كذلك، إلّا أن المقولة وردتنا جاهزة من بلدان صناعية كبرى أجادت تطبيقها، وهذا يعني أننا حتى الآن نتداول الفكرة كأية سلعة مستوردة ندرس إمكانية تصنيعها محلياً، لكن لم نفلح بعد في توطين ما يلزم لأجلها.
بالفعل الصناعة قاطرة التنمية هنا وهناك، وفي أي مكان من هذا العالم، لأنها “مطبخ” إنتاج القيم المضافة على ثروات البلاد بنوعيها المادي والعلمي، وهي أيضاً أهم أدوات نشر التنمية الأفقية، وتلبية استحقاقات اقتصادية واجتماعية، وهذه حقيقة واقعة مهما حاولنا التنكّر لها، ولا مناص منها، فلنتفق إذاً على هذه المسلّمة قبل الخوض في أي أفكار لإصلاح هذه القاطرة “المعطّلة” منذ زمن لم يعد بالقصير.
الواضح في هذا السياق “الوعر” أن الوصفات التي يجري تداولها رسمياً لمعالجة أوجاع قطاعنا الصناعي، تبدو ناقصة، وتفتقر لأهم مكوّنين فعّالين، وهما إرادة الإصلاح، والرؤية المتكاملة، ولعلّ غياب الثانية هو ما يشي بضعف الأولى أو غيابها.. وليتسع ذهن من يتلقى هذه النتيجة، فهي ليست تشفياً، بل خلاصة القراءة الواقعية المتأنية لما جرى منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد كسر الحصرية، وتشجيع الرساميل الخاصة على الاستثمار في التصنيع.
ونعتقد أن حزمة السنوات المتوالية منذ ذاك الحين كافية لتشخيص المشكلة الأساس، واستنتاج أنها تكمن في النظرة إلى القطاع، والمهام المناطة بوزارة الصناعة التي تبدو منذ بضع سنوات مشتتة، رغم أنها تعوم على بحر من الخيارات، ولم تنجح في التقاط أي منها؟!!.
فحتى الآن لم يفسّر أحد سبب الإصرار على اعتبار وزارة الصناعة “كبير الصناعيين”، وليست وزارة تكتفي بالدور الإشرافي – وهو دور ليس بالبسيط – وتدير حركة ذراع الحكومة في مضمار اختصاصها؟!.
لماذا نبقي وزارة الصناعة “متورطة” في دور الصناعي العجوز المكبّل بأدبيات الإنتاج البائدة في زمن سباقات التكنولوجيا، وتنافس الابتكارات بين الدول؟.. ولماذا أبقينا منشآت القطاع العام الصناعي مربّطة عن إمكانية إحداث أية نقلة في مواكبة “الخاص المحلّي” إلى أن خرجت منتجات الأول أشبه بـ”التهمة”؟؟.
لابد إذاً من البدء من الصفر– ولا بأس في أننا تأخرنا – وتعديل مرسوم إحداث وزارة الصناعة، وتعديل قائمة المهام المنوطة بها، لتكون جهة إشرافية تعمل بذهنية سيادية، وليس بعقلية صاحب ورشة.
وإن كانت المشكلة في تدبّر أمر هذا الركام الهائل من منشآتها العملاقة وموجوداتها الثابتة، فلا نظن أن الحل يبدو معقداً لدرجة الاستحالة، ويمكن التفكير جدياً بإحلال رأس المال الخاص في هذه المطارح “الثمينة” عبر صيغة تشاركية، أو تأجير لمدد زمنية، سقوفها عشر سنوات خاضعة لإمكانية إعادة التقييم.
هذه مجرد فكرة وواحدة من خيارات كثيرة.. المهم ألا تكون الوزارة صاحب عمل مباشر، لأن أداء المنشآت الصناعية الحكومية، محكوم بقوانين وأنظمة محاسبية وإدارية لا تتيح ما يجب من المرونة التي تتطلبها أساليب الإنتاج والإدارة اليوم، كما أن كماً هائلاً من الهدر والفساد يعتري معظم هذه المنشآت، ولا يمكن استدراك مثل هذا الخلل إلا بعلاجات جراحية عميقة.
فلتبقَ وزارة الصناعة تملك وتشرف، أما العمل في الميدان فهو من مهام رجال الأعمال والرساميل الخاصة، وهذه مقتضيات مصلحة وطنية حقيقية، لأن لدى الوزارة منشآت كثيرة تخسر فيما يمكن أن تحقق عائدات بالمليارات سنوياً لو أديرت بذهنية القطاع الخاص.
حالياً تبدو الوزارة أمام معالجات محتملة يتوقع أن تكون غير تقليدية، ورغم ثقتنا بالنيات والإمكانات التي يحتفظ بها الوزير الجديد، إلا أن الحلول التجميلية لم تعد تنفع، ولا بدّ من إجراء جراحي يعيد النظر بدور الوزارة ومهامها، والباقي سيكون غير عسير، لأنه عبارة عن تفاصيل فيما لو توفرت الإرادة والجرأة.
ناظم عيد